المشهد فى ولاية ألاسكا الأمريكية يوم الجمعة الماضى لم يقتصر على استقبال رئيس دولة لنظيره من دولة أخرى فى المطار، ولكنه فى الحقيقة حمل معانى كثيرة تثير الشكوك حول هذه القمة وأنها لم تأت لإنهاء الحرب فى أوكرانيا فقط ولكن لإفراز نظام عالمى جديد تخطط له الولايات المتحدة وتوافق عليه روسيا وربما تنضم إليه الصين لاحقا، فمجرد ظهور الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى المطار لاستقبال نظيره الروسى فلاديمير بوتين، يكشف تخلى ترامب عن قواعد البروتوكول الأمريكية المتبعة فى استقبال غالبية قادة الدول بالمكتب البيضاوى وليس بالمطارات، كما يكشف حرص واشنطن على المساواة الواضحة بين الزعيمين بالسير فوق السجادة الحمراء والالتقاء فى المنتصف للمصافحة والتقاط الصور، ثم اصطحاب ترامب لبوتين فى سيارته «الوحش» إلى مكان عقد القمة بالبيت الأبيض، كل ذلك فسرته وسائل إعلام دولية بأن ترامب منح بوتين مكافأة دعائية كبرى وأعطاه مكانة متساوية لرئيس الولايات المتحدة «أكبر قوة فى العالم».
>>>
ولكن لماذا جاءت المكافأة الأمريكية للرئيس الروسى بوتين بهذه الصورة الدعائية الكبرى وعلى مرأى ومسمع كل شعوب العالم وفى هذه المرحلة بالتحديد، وهل هذه المكافأة مقترنة بطموح ترامب بالفوز بجائزة نوبل للسلام، أم أن هناك أهدافاً أخرى غير معلنة قد يكون من بينها ما يتعلق بدول الشرق الأوسط وإسرائيل بالتحديد؟، عموما فإنه وفقا للتقارير الواردة – فإن الرئيس الروسى هو المنتصر الأكبر من قمة الآسكا، فإضافة للدعاية التى حققها، فقد خرج من القمة بما يتفق والمصالح الروسية فى ظل الإشارة إلى أن موسكو ستتخلى عن جيوب صغيرة تسيطر عليها فى أوكرانيا مقابل تنازل «كييف» عن مساحات من أراضيها فى شرق البلاد، وأن التوجه العام هو توقيع اتفاق سلام ينهى الحرب بين الجانبين، بدلا من مجرد اتفاق لوقف إطلاق النار قد لا يصمد.
>>>
نأتى بعد ذلك لما تردد عن أن قمة «ألاسكا» ناقشت قضايا شرق أوسطية لم يتم الإفصاح عنها، وأن هناك شكوكاً بأن الرئيس الأمريكى ترامب حاول الحصول على الموافقة «المباشرة أو الضمنية» من نظيره الروسى بوتين حول غض الطرف عن احتلال إسرائيل لقطاع غزة وتهجير سكان القطاع، مقابل تحقيق المطالب الروسية فى أوكرانيا، وهو ما أيده بعض المحللين السياسيين فى ظل السرعة الكبيرة التى تمارسها إسرائيل لاحتلال قطاع غزة وتفريغه من سكانه، وفى ظل الصمت الدولى عما يدور فى القطاع من حرب إبادة شاملة وصلت لمرحلة فى غاية السوء هذا الأسبوع بالإعلان عن ترحيل أكثر من مليون مواطن فلسطينى إلى جنوب غزة فى مساحة صغيرة جدا، تمهيدا لتهجيرهم إلى ثلاث أو أربع دول بالمنطقة ليس من بينها مصر التى تمارس حاليا كافة الضغوط لمنع هذه الدول من استقبال سكان غزة المهجرين، ووقف الحرب فى القطاع وإنفاذ المساعدات ضمن الهدف الأسمى والمتعلق ببقاء القضية الفلسطنينية على قيد الحياة.
>>>
وحقيقة فإن تزامن «قمة ألاسكا» مع السلوك الإسرائيلى الإجرامى فى غزة وإعلان بينامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيونى عما وصفه بـ»إسرائيل الكبرى» يزيد التكهنات حول احتمالية تناول القمة «الأمريكية- الروسية» أطماع إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية والأراضى العربية بوجه عام، خاصة أنه خلال هذا الأسبوع نشر معهد «التوراة والأرض الإسرائيلى» تقريرا يقول: «إن أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقا إلى نهر النيل جنوبا»، وهى مقولة مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، حين أعلن مشروعه التوسعى عام 1904، وحسب المعهد فإن هذه المعتقدات طرحها حزب «الليكود» منذ وصوله للحكم بزعامة مناحيم بيجن إلى السلطة فى إسرائيل عام 1977، وحولها إلى برنامج سياسى تعاقب على تبنيه قادة الحزب الليكودى وصولا إلى نتنياهو الذى أعلن وبكل بجاحة عن نفس المشروع التوسعى على حساب الأراضى العربية.
>>>
اللافت هنا، هو السلوك المصرى المنضبط والواثق من نفسه وسط الحروب الإسرائيلية المتتالية والتى لا تتوقف، ووسط هذا الكم من «التربيطات» والمعلومات الخطيرة حول المخطط الصهيونى واحتلال أراض عربية لصالح إسرائيل الكبرى، ويكفى فى هذا الصدد ما قاله الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية من أمام معبر رفح يوم الاثنين الماضى، وزير الخارجية قال: «إن الموقف المصرى تجاه القضية الفلسطينية ثابت وراسخ ولا يتغير وأن مصر ترفض رفضا قاطعا أى محاولات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية بما فى ذلك النوايا المعلنة بالبقاء فى قطاع غزة والتصريحات الاستفزازية وغير المسئولة التى تطالب بضم الضفة الغربية أو ما يسمى بإسرائيل الكبرى».
>>>
وحقيقة فإن ما ذكره وزير الخارجية يؤكد أن ردهات السياسة مليئة بالأسرار – قبل وبعد القمة «الأمريكية- الروسية» فى ألاسكا – ورغم ذلك فإن مصر مستعدة لكل التطورات ولا تخشى الحرب، ولكنها فقط أكثر حرصا على البناء والتنمية والسلام.