هل يحب الناس الوزراء.. سؤال مهم يحتاج استطلاع رأى حقيقى لقياس منسوب الرضا عن أداء كل وزير فى الحكومة!!
أما مناسبة السؤال فهى رحيل الوزير د. على المصيلحى الذى أحبه الناس وزيرا ونائبا برلمانيا خدوما لأهل دائرته حتى ترك ميراثا من الحب والتقدير يصعب تجاهله كما ترك بصمة سياسية قوية عنوانها ببساطة (الوزير السياسى أحب إلى الناس من البيروقراطي).
الدكتور على المصيلحي، تميز بحس سياسى عالٍ وقدرة على قراءة الواقع المصرى بتعقيداته الاجتماعية والاقتصادية. لم يكن مجرد مسئول يدير ملفات وزارية، بل كان رجل دولة يفهم نبض الشارع ويتعامل مع المواطن البسيط بقدرٍ عالٍ من الإنسانية والتعاطف .. قراراته خلال الأزمات، خاصة فى فترات التضخم ونقص السلع، عكست إدراكًا عميقًا لاحتياجات الفئات الأكثر هشاشة فى المجتمع، مما أكسبه احترام المواطنين ومحبتهم، وخلّد اسمه كواحد من المسئولين الذين جمعوا بين الكفاءة والضمير الوطني.
عرفت د.على المصيلحي، وزير التموين السابق، رحمه الله، والذى رحل عنا منذ أيام بعد رحلة نجاح سياسى وبرلمانى مشهودة وصراع مرير مع المرض اللعين ليقدم نموذجا متفردا فى العطاء الوطني.
عرفته منذ فترة بعيدة، قبل أن ينخرط فى العمل السياسي، وزيرا لأكثر من حقيبة، ويثبت فيها كلها نجاحا منقطع النظير، تواصلت علاقتنا دون انقطاع منذ كان مستشارا أول لوزير الاتصالات آنذاك د.أحمد نظيف، وكان يجاوره فى الوزارة مكتب وزير الاتصالات الأسبق د.طارق كامل رحمه الله رحمة واسعة، كمستشار أيضا فى ذلك الوقت.
كان د. المصيلحى رجلا واسع الأفق، وسياسياً من طراز فريد أثبت كفاءة وجدارة فى كل موقع تولاه، تفوق فى دراسته، وكان من أوائل الثانوية العامة، ثم التحق بالكلية الفنية العسكرية حتى تخرج فيها عام 1971 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف فى مجال الهندسة الإلكترونية، ثم حصل على الدكتوراة فى استخدام الحاسبات فى تصميم الدوائر المصغرة، وانخرط فى العمل المدنى والسياسي، وتدرج فى المناصب الحكومية حتى استقر فى منصب وزير التموين.
دلائل النجاح والتميز كثيرة فى حياة الوزير على المصيلحى فقد نجح بعد اختياره رئيسا لهيئة البريد فى عهد الرئيس مبارك فى إحداث نقلة نوعية بهذا المرفق الحيوى شكلا ومضمونا، إذ وضع خطة قوية لإصلاحه وتوسيع أدواره وخدماته، وقدم دراسة وافية بالتعديلات التشريعية ومتطلبات البنية التحتية المطلوبة وضرورة إدخال الميكنة والصرف الإلكترونى وإعادة الهيكلة وتطوير الخدمات القائمة.. حتى صارت مكاتب البريد على مستوى الجمهورية تقدم خدمات عصرية ومصرفية تضاهى البنوك، خدمات جديدة كانت نواة حقيقية للمنافسة والانطلاق على طريق العالمية بما تقدمه من خدمات حكومية للرقمية والبريدية والتجارة الإلكترونية وخدمات الشمول المالي، وتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.. حتى صارت الهيئة يشار لها بالبنان.
وأذكر أنه فى تلك الفترة أسر إليٌ برغبته فى الترشح للبرلمان عن دائرة أبوكبير بالشرقية لخدمة أهلها، فشجعته ونشرت له حديثا مطولا بجريدة «الجمهورية» وقتها، وتضمن ذلك الحوار فقرة أعلن فيها عن نيته الترشح لانتخابات النواب ورؤيته ومستهدفاته، وبعد صدور الجريدة طلب منى شراء 6 آلاف نسخة لتوزيعها على أهالى دائرته، وقد تحقق مراده وفاز باكتساح وصار نائبا للشعب.
واصل المصيلحى رحلة صعوده السياسي، إذ جرى اختياره وزيرا للتضامن تحت رئاسة الدكتور نظيف وهى وزارة جمعت آنذاك بين الشئون الاجتماعية والتموين، وقد أبلى فيها بلاء حسنا أفضى لنقلة نوعية بما كان يملكه من رؤية سياسية وعلمية واسعة، إذ قدم دراسة معمقة لمشروع الألف قرية الأكثر فقراً على مستوى مصر وكيف يتم تحسين حياة أهلها بتوفير فرص عمل تحميهم من الفقر وتمنحهم التمكين الاقتصادي، وللأسف توقفت هذه الفكرة من بعده..!!
توطدت علاقة الوزير المصيلحى آنذاك بجريدة «الجمهورية» التى نجحت وقتها فى عقد توأمة مع وزارة التضامن تولت بمقتضاه مساعدة الغلابة بعد التأكد من استحقاقهم لها بالفعل.
كما خصصت الجريدة بابًا أسبوعيًا توليت الإشراف عليه، تحت عنوان الفرحة والأمل، وكان يتبنى قضايا الناس لاسيما المحتاجون من مختلف الأعمار حتى أنه كان يمد يد العون للشباب الفقير غير القادر على الزواج.. وهى الخدمات التى اختفت من صفحات الجريدة رغم أهميتها الشديدة للجمهور وللصحيفة نفسها.
وفى عهد الرئيس السيسى جرى تكليفه بوزارة التموين بعد أن كان متفرغا لعضوية البرلمان، ورئيسًا للجنة الاقتصادية.. وأذكر أنى قلت له يومها: كيف تترك منصبك كعضو برلمان ورئيس لجنة تراقب الحكومة وتسهم فى تشريع القوانين لتعود وزيرا يخضع لمراقبة النواب ومساءلتهم فرد بقوله: هذا تكليف ولا أتوانى عن خدمة بلدى فى أى موقع.. هذا هو المصيلحى الإنسان الشهم الخدوم الوطنى والوزير السياسى الذى نفتقده هذه الأيام بشدة.
كان المصيلحى نزيها، طاهر اليد، رغم ما أحاط وزارته الأخيرة من شبهات فساد لم يكن له يد فيها، بل إنه أحدث انضباطا فى منظومة توزيع الخبز الذى اختفت طوابيره وزادت جودته وحوكمته بصورة ملموسة أسهمت فى وصوله لمستحقيه.
اشتهر الدكتور على المصيلحى بأنه وزير الغلابة.. وقد رحل الرجل وارتاح من آلام المرض وتبقى سيرته الحسنة بين أهله فى الشرقية الذين كان دائم الحرص على لقائهم أسبوعيا يستمع لهم ويلبى مطالبهم ويقضى حوائجهم حتى ترك رصيدا من الحب ظهر فى جنازته ونعى الناس له وحزنهم لرحيله كما تسابق زملاؤه الوزراء لنعيه ورثائه.. رحم الله المصيلحى الإنسان والوزير السياسى الذى ترك فراغا كبيرا برحيله.. فهل يجود الزمان بوزير سياسى على شاكلة الراحل على المصيلحي..؟!