لقد اهتم القرآن الكريم بالإنسان وحاجاته الأساسية، وعنى بذلك عناية خاصة، ودعا إلى التكاتف والتراحم، وحث على الإنفاق فى سبيل الله عز وجل وإطعام الطعام بحيث لا يبقى بين الناس جائع ولا مكروب ولا محتاج، يقول سبحانه: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا».
وقد تحدث القرآن الكريم عن الجوع ودرجاته بدقة بالغة واضعا كل لفظة فى مكانها وسياقها الذى لا يصلح فيه غيرها .
1 – الجوع: هو خلو المعدة من الطعام، وحاجتها الشديدة إليه، يقول الحق سبحانه: «الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ»، ويقول سبحانه: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»، غير أن التعبير بلباس الجوع يعنى شدته وشموله.
2 – الخصاصة، وهى الجوع مع الفقر والحاجة وقلة ذات اليد يقال: فلان فى حالة خصاصة، أى فى فقر وسوء عيش، يقول سبحانه: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»، أى أن الأنصار كانوا يؤثرون على أنفسهم مع شدة أحوالهم وما بهم من فقر وخصاصة.
3 – المخمصة، وهى جوع يستمر لفترة تؤثر على الجسد، من الخَمْصِ، وهو خلاء البطن وضمورها من الجوع أو الهزال، يقال: خَمَصَ الْجُوعُ الرَّجُلَ أي: هَزَلَهُ وَأَضمر بَطْنَهُ، يقول سبحانه: «فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، وهى الحالة التى تبيح للمضطر المشرف على الهلاك أكل الميتة أو ما فى حكمها لإنقاذ نفسه من الهلاك.
4 – المسغبة، وهى الجوع العام الشديد المستمر لفترة طويلة، وفيه إجهاد وإرهاق، وهو بمثابة المخمصة العامة، يقول سبحانه: «فَلَا قتَحَمَ العَقَبَةَ وَمَآ أدراك مَا العَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَو إِطعاَم فِى يَوم ذِى مَسغَبَة يَتِيما ذَا مَقرَبَةٍ أَو مِسكِينا ذَا مَترَبَة»، ولهذا جعل القرآن الكريم الجود والإطعام فى هذه الحالة التى يكون الجوع والعوز فيها حالة عامة سببا مباشرا لاقتحام العقبة والنجاة من النار، ترغيبا فى الإنفاق فى وقت يعز فيه الإنفاق ويكون فيه الضن والإمساك بما ندر من الطعام لعموم حالة الجوع، وهنا عبر القرآن الكريم بلفظ «إطعام» ولم يقل: إنفاق، لأن المال قد يصبح لا قيمة له إذا عز الطعام. وهذه المسغبة هى ما نشهده من حال أهل غزة اليوم، فهى ليست مجرد جوع ناتج عن شح المؤن، بل هى نتاج تجويع صهيونى ممنهج لم يشهد التاريخ مثله، مما يتطلب وقفة عربية وإسلامية وإنسانية لكسر حصار الجوع هذا عنهم، مع إشادتنا بما تبذله الدولة المصرية من جهود مقدرة فى ذلك.
فما أعظم ثواب إطعام الطعام بصفة عامة، وما أعظم ثوابه فى حال المخمصة والمسغبة بصفة خاصة، يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ»، وما أعظم ثواب تفريج كرب المكروبين، حيث يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «من نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ فى الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ فى الدُّنيا والآخرةِ، ومن سَترَ على مُسلمٍ فى الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ فى الدُّنيا والآخرةِ، واللَّهُ فى عونِ العَبدِ، ما كانَ العَبدُ فى عونِ أخيهِ».