باتت غزة كلمة السر فى كل من واشنطن وتل أبيب.. فالرئيس الأمريكى جو بايدن يراهن على صفقة تبادل الاسرى بهدف الخروج من الازمة التى تعصف بالولايات المتحدة وضمان سباق التجديد فى البيت الأبيض والفوز بولاية رئاسية جديدة خاصة بعد تفكك ائتلاف التصويت الليبرالى الذى ينتمى إليه مع تزايد المعارضة لدعمه لإسرائيل فى الحرب.. وأيضا لكسب التأييد للسياسات الأمريكية التى تهدف لمواجهة روسيا والصين.. على الجانب الآخر، نجد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يحاول انقاذ سمعته السياسية وتحقيق أى نصر فى غزة، بعد فشل جميع محاولاته فى إجبار قادة حماس على الموافقة على طلباته أو تحرير الرهائن الإسرائيليين، وعدم تمكن جيشه الذى يعد بين الأقوى والأحدث فى العالم بعد سبعة شهور من الحرب من تثبيت احتلاله فى أى من المناطق التى اجتاحها فى قطاع غزة، لذلك لم يتبق امامه غير خيار اجتياح رفح الفلسطينية لتحقيق هذا الهدف.
لقد تحوًّلت غزة الضعيفة، المدمرة إلى كلمة السر لفوز بايدن بولاية ثانية، وهو ما يكشفه الإصرار الأمريكى على إبرام صفقة تبادل للأسري، أكثر من الإسرائيليين أنفسهم.. فرغم أن واشنطن أخفقت فى التعامل مع العديد القضايا العالمية والبؤر المتفجرة فى العالم، إلا أن حرب غزة كان لها تداعيات سلبية كبيرة على الداخل الأمريكى وعرًّت نظام بايدن برمته، وفجرت بركان الغضب ضد سياساته المنحازة دائما لإسرائيل، وقد شاهدنا جميعا انتفاضة الطلاب فى الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة.
ما شاهدناه جميعا من عمليات اقتحام وقمع واعتقال لمئات المتظاهرين فى الجامعات الامريكية، كشف للعالم حقيقة هذا النظام الذى كان يتغنى بالديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، وفضح ازدواجية المعايير التى تنتهجها واشنطن فى التعامل مع قضايا الشعوب. من الواضح أن هذه الازدواجية ودعم بايدن لإسرائيل سيجعل من الصعب عليه كسب الدعم للسياسات الأمريكية التى تهدف إلى مواجهة روسيا والصين، وخاصة فى دول الجنوب العالمي.
أمام هذا، تولدت رؤية لدى صانعى القرار فى البيت الأبيض بضرورة وقف إطلاق النار فى غزة وإبرام صفقة تبادل للأسرى والرهائن، ومنهم أمريكيون، للاستفادة منها فى تعزيز حظوظ بايدن وخفض الغضب الشعبى ضد سياساته، ضمن سلسلة إجراءات تؤدى إلى المساعدة على فوز بايدن بولاية جديدة، وتحسين صورة سياساته خارجيا لكسب الدعم الدولى لمواجهة زيادة النفوذ الروسى والصيني.
على الجانب الإسرائيلى يبدو الامر مختلفا عن رؤية الإدارة الامريكة التى تسعى لإبرام صفقة لوقف اطلاق النار وتبادل للأسرى لتحقيق مصالحها الداخلية والانتخابية. نتنياهو يرى ان إطالة امد العملية العسكرية واجتياح رفح والوصول إلى قيادات حماس وتحرير الرهائن، سيحقق له النصر الكامل أو النصر الساحق. أما إذا توقفت العملية بدون دخول رفح فلا يمكن التحدث عن اى انتصار تحقق لإسرائيل لا عسكريا ولا سياسيا، وتكون حماس هى من فاز فى هذه الحرب وهى من فرض إرادته.
نستطيع القول ان غزة هى كلمة السر لبقاء بايدن فى الحكم لفترة جديدة، كما إنها ستحدد مستقبل نتنياهو السياسى الذى بات مرتبطا ارتباطا وثيقا بطول أمد العملية العسكرية. فكلما طال امد العملية تحققت مكاسب لنتنياهو واليمين المتطرف. فهم يعلمون تماما أنهم بانتهاء العملية العسكرية أو توقفها بدون تحقيق النصر الشامل سيُقدمون للمحاكمات لوجود أخطاء كبيرة فى إدارة العملية العسكرية لم يكشف عنها.