منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير علي قطاع غزة، تقف مصر في موقعها التاريخي والطبيعي كدرع للعروبة، تدافع عن ثوابت القضية الفلسطينية وتتحرك في كل الاتجاهات من أجل وقف نزيف الدم وحماية الشعب الفلسطيني من سياسات الاحتلال القائمة علي التدمير والتجويع والاقتلاع.
لم تكتف القاهرة بمطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته بل خاضت جولات دبلوماسية مكوكية، وفتحت قنوات اتصال مع واشنطن والعواصم العربية، ومع القوي الإقليمية المؤثرة، لإرساء اتفاق شامل يضمن وقفا فوريًا لإطلاق النار، ويفتح الطريق أمام تدفق المساعدات الإنسانية دون قيود أو عوائق، إلي جانب العمل علي إطلاق سراح الرهائن والأسري في إطار صفقة متوازنة تضع حياة المدنيين فوق أي حسابات سياسية.
أعلنت مصر بوضوح أنها لن تقبل بأي مخططات إسرائيلية تسعي لإعادة احتلال القطاع أو تهجير الفلسطينيين من أرضهم، سواء تحت مسمي «إعادة الانتشار» أو عبر سياسات قسرية تقوم علي التجويع والضغط النفسي القاهرة تعتبر هذه الخطط جريمة حرب مكتملة الأركان، وتطهيرا عرقيا» يتعارض مع مبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، ويهدد بتصفية القضية الفلسطينية من جذورها.
بل وأكثر من ذلك، تحركت مصر سريعًا لإجهاض محاولات الترويج لمثل هذه الأفكار، مؤكدة أنها تواصلت المخططات. مع الدول التي أشيع قبولها استقبال المهجرين الفلسطينيين، وتلقت منها نفيا قاطعا لأي نوايا للمشاركة في هذه المحاولات.
فمنذ اللحظة الأولي، تحركت القاهرة لتمنع هذه الكارثة. رفح لم تكن مجرد معبر، بل منصة أعلن منها وزير الخارجية أن مصر ترفض وتتصدي والرئيس عبد الفتاح السيسى وضع الأمور في نصابها، واعلنها بكل وضوح وقف فوري لإطلاق النار تدفق عاجل للمساعدات الإنسانية دون مماطلة أو ابتزاز. إطلاق سراح الأسري والرهائن في إطار صفقة عادلة. رفض قاطع لأي تهجير أو إعادة احتلال.
مصر لا تتحدث من فراغ. فهي تعرف جيدا أن السماح بخروج الفلسطينيين من أرضهم يعني تصفية القضية الكامل. وهذا ما لن تقبله القاهرة تحت أي ظرف، لأنه ليس فقط عدوانًا علي الشعب الفلسطيني، بل تهديد مباشر للأمن القومي المصري والعربي.
التحركات المصرية لم تكن منفردة، بل جرت في إطار تنسيق عربي متواصل. فلقاءات الرئيس عبد الفتاح السيسى مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس وزراء قطر، ثم مع الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة والشيخ خالد بن حمد آل خليفة من مملكة البحرين حملت رسائل دعم عربية واضحة، مفادها أن القضية الفلسطينية لن تترك وحيدة، وأن الأمن الإقليمي لا يمكن أن يستقر إلا عبر تسوية عادلة وشاملة تضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة علي حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
كما شدد الرئيس السيسى علي أن ما بعد وقف إطلاق النار يجب أن يشمل إعادة إعمار غزة بشكل عاجل تحت رعاية مؤتمر دولي يُعقد في القاهرة بالتعاون مع الحكومة الفلسطينية والأمم المتحدة، حتي يعود القطاع للحياة من جديد ويكسر دائرة التدمير المتكرر.
بهذا الموقف الحازم والمتوازن، تضع مصر العالم أمام مسئوليته التاريخية، وتؤكد أنها ستظل صمام الأمان الذي يمنع تصفية القضية الفلسطينية، ويصون أمن المنطقة من الانزلاق إلي هاوية جديدة من الفوضي والدمار.
مصر وضعت الخط الأحمر بوضوح لا تهجير.. لا احتلال.. لا تصفية للقضية الفلسطينية. وعلي القوي الكبري أن تدرك أن أمن الشرق الأوسط لن يُشتري بالدبابات ولا بالتجويع، بل بالعدل والسلام.