فى المؤتمر الصحفى لرئيس مجلس الوزراء الأربعاء قبل الماضى كانت هناك مساحة كبيرة من المؤتمر خصصت للحديث عن قانون الايجار القديم.. وتولى شرح القانون المستشار محمود فوزى وزير الدولة للمجالس النيابية..ثم أجاب هو ورئيس الوزراء على مجموعة من الأسئلة حول تطبيقه..وكان معظمها عن مصير السكان بعد انتهاء مهلة السنوات السبع..
سؤال واحد كان من ضمن الأسئلة عما يمكن تسميته ببيوت المشاهير.. وقد تساءل أحد الصحفيين عن مصير بيت عبد الحليم حافظ..ولم يكن الرد على هذا السؤال صريحا أو مقنعا..
والمطلوب أن نبقى على هذه البيوت كمتاحف بأسماء أصحابها.. سواء ظلوا أحياء بها..أو بعد وفاتهم..وأن تكون هناك وسيلة لتعويض ملاك مثل هذه الشقق التى كان يقطنها أو مازال يقطنها من أمد الله فى عمرهم من الفنانين..
وقد قرأت منذ فترة..عن تخوف عدد من الفنانين على بيوتهم بعد صدور القانون..ولفت نظرى ما قالته الفنانة نبيلة عبيد حول شقتها التى تقيم فيها بايجار قديم.. وتخوفها من ضياع كل ذكرياتها طوال سنوات عمرها.. وقالت «أول ما أفتح باب الشقة أشم رائحة أمى الله يرحمها.. لأنها كانت تعيش معى فيها..أشم رائحة أصدقائي.. أشم رائحة الصحف والمجلات التى كتبت عني.. أين يذهب هذا كله»؟..
ليست هذه مشكلة نبيلة عبيد فقط.. وانما مشكلة الملايين ممن سيضطرون الى اخلاء شققهم بعد 7 سنوات.. والدولة وعدت بحل مشكلتهم.. ولكن بكل تأكيد لن تستطيع أن تعوض الناس عن ذكرياتهم فى شققهم التى سيغادرونها.. ولا مساحتها..ولا أماكنها..ولا مواقعها..
>>>
وبالمناسبة كان لى حوار مع الفنانة نبيلة عبيد عن السياحة والسينما فى لقاءين معها جاءا بالصدفة..وكانت المرتان على متن طائرة متجهة الى تونس ثم عائدة منها.. كنت انا ذاهبا لأحضر اجتماعا لاتحادنا الدولى للصحفيين والكتاب السياحيين «فيجيت».. وكانت هى جارتى فى المقعد المجاور لنافذة الطائرة.. أما أنا فكنت على المقعد فى الممر الذى أفضله دائما.. وكانت ذاهبة لعمل فنى فى تونس.. وكان معها الفنان الكبير الراحل يوسف شاهين.. وكان طبيعيا أن يدور حوار بيننا عن السينما والسياحة ودورها فى الترويج السياحى لمصر.. ورأيها فى الأفلام التى تعطى صورة مشوهة عن مصر.. ولم تكن هى من أنصار هذا اللون من السينما.. ثم تطور النقاش الى عرض منها: لماذا لا أكتب قصة فيلم تدور فى مواقع سياحية وأثرية مصرية..ووعدت..فقد كانت لدى فعلا خيوط مبدئية لقصة فى هذا المجال..
وفى رحلة العودة من تونس.. تكررت الصدفة مرة أخري.. وجاء مقعد نبيلة عبيد الى جواري..وسألتنى فكرت فى الفيلم.. قلت إن لدى بعض خيوط مبدئية لنسج قصته.. وسأحاول الوفاء بها.. ولكن الايام مضت..ولم أف بهذا الوعد.. ومازالت ملامح القصة فى الذاكرة.. وقد يتاح لها أن ترى النور..ان أمتد العمر..
>>>
بيوت المشاهير فى مصر هى مجال لسياحة ثقافية تاريخية.. والمشروع الذى تبنته هيئة التنسيق الحضارى بمصر عن مساكن المشاهير وتحت عنوان.. «عاشوا هنا».. يستحق التقدير..
ولكن هذا لايكفي.. ان كثيرا من بيوت هذه الشخصيات يمكن أن تتحول الى متاحف..وذلك لما بقى من شققهم التى مازالوا يقيمون فيها أو أحد ورثتهم.. وهؤلاء جميعا هم قوة مصر الناعمة التى يجب أن نحتفى بها ونروج لمصر من خلالهم.. وهكذا يفعل العالم كله.. ففى كل مكان من العالم تجد متاحف المشاهير حيث عاشوا فيها..وقد تتكرر متاحفهم فى كل مدينة عاشوا بها فترة من حياتهم..
وفى زيارات خارجية لى كنت حريصا على زيارة بيوت المشاهير.. ولعل فى مقدمتهم نابليون الذى زرت بيته فى مدينة أجاكسيو فى جزيرة كورسيكا وقد أصبح متحفا مفتوحا له ولعائلة بونابرت.. كما فى مدينة بون الألمانية زرت بيت بيتهوفن الذى يقع فيه متحفه ويضم البيانو الخاص به والآلات الموسيقية الأصلية التى كان يمتلكها..
فى سالزبورج فى النمسا زرت بيت موتسارت.. وفى النرويج زرت بيت الكاتب المسرحى هنريك أبسن فى أوسلو.. الذى تحول الى متحف خاص ومسرح.. وهو ليس المتحف الوحيد له.. فهناك ثلاثة متاحف أخرى له فى عدة مناطق ومساكن سكنها..
ويماثل ميخائيل نعيمة الأديب اللبناني.. ابسن فى تكرار متاحفه.. وقد زرت أحدها فى قرية المطيلب فى لبنان ويضم مقتنياته ومخطوطاته وكتبه.. وهناك متحف آخر له ببيته الشتوى فى قرية الزلقا..
>>>
لو طبقنا هذا الكلام عندنا نجد اننا أهدرنا الكثير من فرص اقامة متاحف لمشاهيرنا.. فليس لدينا تقريبا غير بيت عميد الأدب العربى د.طه حسين وبيت أمير الشعراء احمد شوقي.. ولا أعرف ماذا حدث فى بيت عباس محمود العقاد فى مصر الجديدة.. ولا بيت الفنان الكبير يوسف وهبى الذى تحول الى فندق.. ولا فى بيوت العديد من المشاهير الذين سكنوا عمارة الايموبيليا مثل نجيب الريحانى وأنور وجدى وعبد الوهاب وأحمد عبود باشا وفكرى أباظة وغيرهم.. والأجيال التالية من الفنانين والمشاهير كفريد الاطرش وفاتن حمامة وفريد شوقى ونبيلة عبيد وغيرهم كثيرون..
>>>
هناك متاحف لبيوت الزعماء على رأسهم متحف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.. ومتحف بيت الأمة للزعيم سعد زغلول.. ومتحف مصطفى كامل.. ولكننا نتطلع الى متاحف أخرى لكثير من زعماء مصر مثل مصطفى النحاس وأحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشي.. وغيرهم كثيرون..
هذه المتاحف هى ذاكرة الأمة..وهى رصيد سياحى وثقافى كبير.. ليس من أجل السياحة فحسب..وانما من أجل الأجيال الناشئة أيضا لتعرف تاريخ بلدهم من خلال هذه الشخصيات.. وفوق هذا كله هى تعبير حى عن قوة مصر الناعمة التى لا ينافسنا فيها أحد.