بدون تهويل ولا تهوين .. الحرائق لم تصل حد الظاهرة
«أبوعرب»:
إجراءات التأمين ليست حسب الأهواء وإنما لها أكواد ومواصفات محددة وملزمة
الدولة تبنى .. والتأمين والصيانة «غائبان».. والاقتصاد يدفع الثمن
ما بين يوم وآخر يشتعل حريق سواء فى مؤسسات ومنشآت خاصة وهى الأغلب أو حكومية، الحرائق تشتعل فى لحظة، لكن المؤكد ان أسبابها تتراكم عبر فترات طويلة بسبب الإهمال أو عدم الصيانة أو مخالفة كود الحرائق الذى يجب أن يلتزم به الجميع ويعتبر شرطا أساسيا فى الترخيص لكل منشأة صناعية أو تجارية أو سكنية..إدارة الحماية المدنية تطور نفسها بشكل مستمر لتلاحق كافة الحرائق التى يمكن أن تحدث وتنجح بفضل جهود وتضحية رجالها فى اخماد الغالبية العظمى من الحرائق، لكن هناك معوقات تواجهها وأسباب تجعل السيطرة على الحريق صعبة أحيانا مثل المخازن العشوائية والمواد القابلة للاشتعال والمناطق المزدحمة والضيقة وعندما نراجع الحرائق الأخيرة سنجد أغلبها يرجع لأحد هذه الأسباب سواء حريق شبرا الخيمة الذى اشتعل بسبب الأكشاك العشوائية أو حريق السبتية الذى اشتعل بسبب براميل الزيوت القابلة للاشتعال.. وبالطبع وراء كل هذا الإهمال سواء من أصحاب هذه المنشآت أو المحليات والجهات المسئولة عن الرقابة على تطبيق كود الحرائق. . اللافت ان الجميع توقف أمام حريق سنترال رمسيس واستبقوا التحقيقات بتوقعات غير منطقية، لكن أحدا لا يتحدث عن حرائق كثيرة تشتعل فى منشآت ومصانع خاصة أغلبها مصانع وورش بير السلم أو منشآت تفعل كل شيء إلا الحماية من الحريق والنتيجة خسائر بعضها فى الأرواح وبعضها فى الاقتصاد الذى يخسر مع كل حريق.
ووفق التقرير السنوى لحوادث الحريق فى مصر عام 2024 الذى أعده الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بهدف التعرف على حوادث الحريق وأسبابها والأماكن التى حدثت فيها فإن إجمالى عدد حوادث الحريق عـلى مستـوى الجمهورية 2024 بلغ قرابة 47 ألف حريق مقابل 45 ألف حريق 2023 بنسبة ارتفاع تقريبا 3.2 ٪ وذكر التقرير أن أهم مسببات الحرائق النيران الصناعية بنسبة 31.6 ٪ ثم الماس الكهربائى أو الشرر الاحتكاكى بنسبة 18 ٪ من إجمالى مسببات الحريق.. ووفق الحالة الجنائية فإن الحريق العارض جاء فى المرتبة الأولى بنسبة 20.9 ٪ يليه الحريق بسبب الإهمال بنسبة 10.4 ٪.
وعلى مستوى المحافظات جاءت محافظة القاهرة فى مقدمة حوادث الحريق بعدد 6288 حادثا تليها محافظـة الغربية 3990 حادثا، وفى المرتبة الأخيرة شمال سيناء بعدد 189 حادثا، وعلى مستوى شهور السنة سجل شهر مايو المرتبة الأولى لحوادث الحريق بعدد 5468 حادثا يليه شهر يونيو بعدد 4883 حادثا، فيما بلغ عدد ضحايا حوادث الحريق 232 عام 2024 مقابل 239 عام 2023، وبلغ عدد المصابين 831 مصاباً عام 2024 مقابل 812 مصاباً عام 2023.
ومن هنا أصبح تأمين المنشآت «أمن قومي» يجب أن يسير بشكل ممنهج ومدروس مع ضرورة تطبيق أنظمة تأمين متقدمة تعتمد على استخدام أحدث وسائل التأمين، والاعتماد على عنصر بشرى مُدَرَّبٌ على كيفية مواجهة المخاطر والمتابعة الدورية، وبذل جهود متواصلة ومستمرة حتى تكون ثقافة التأمين ضد المخاطر جزءا لا يتجزأ من إجراءات وخطط العمل فى أى مؤسسة أو منشأة ، والعمل على تجديد وصيانة شبكات المياه وأنظمة الإنذار وكاميرات المراقبة والإطفاء.
«الجمهورية» ناقشت القضية مع العديد من الخبراء والمتخصصين حيث أوضح اللواء ممدوح عبدالقادر مدير إدارة الحماية المدنية الأسبق أن القانون المصرى والكود المصرى للوقاية من أخطار الحريق يشترط على أى منشأة حكومية أو خاصة سواء كانت صناعية أو تجارية أو جماهيرية عند استخراج تراخيص مزاولة النشاط أن تستخدم الوسائل والمعدات الخاصة بعمليات الإنذار والإطفاء التلقائى ضمن منظومة أوتوماتيكية متمثلة فى تركيب حساسات دخان وحساسات حرارة تصدر إنذارا مبكرا بوجود خطر فى هذا المكان عن طريق أجراس ولمبات إضاءة عند الاستشعار بأى حرارة مرتفعة أو أدخنة، ويتواجد معها فى نفس المكان مواسير ملحقة بحساسات تعمل عند درجة حرارة معينة وتقوم بإخراج مياه مباشرة على مكان اشتعال النيران مما يساعد فى عملية الإطفاء السريع، وتنطبق هذه المنظومة على المنشآت الحكومية والمستشفيات والمصانع والمتاجر الكبرى (المولات) إلا أن عدم صيانتها قد يتسبب فى نشوب الحرائق، لذلك يتم تجديد الترخيص فى مدد زمنية من سنة إلى 3 سنوات طبقًا لطبيعة النشاط من خلال لجنة تنتقل للمكان المراد تجديد الترخيص له، للتأكد من صلاحية المنظومة، مشيرًا إلى أن صاحب المنشأة أو مديرها يجب أن يكون حريصًا على الحفاظ على ماله ومنشأته من خلال الاهتمام بالصيانة والمتابعة الدورية واستخدام أحدث وسائل الإنذار والإطفاء.
والبعد عن العشوائية والإهمال فى التعامل مع هذه المنشأت وهذا يتطلب مراقبة شديدة على كافة المنشأت وبشكل مفاجئ وأن يكون هناك عقاب شديد لمن يتهاون فى هذا الأمر.
مضيفًا أنه يتم التعامل مع كل حريق حسب طبيعته وحجمه ومكوناته وأسبابه ففى حرائق المصانع بعد حماية البشر نحرص على محاصرة النيران قبل وصولها للماكينات حيث لا يمكن تعويضها، وفى التعامل مع الحرائق يتم مراعاة مسبباته واستخدام وسيلة الإطفاء المناسبة حيث تستخدم المياه فى إطفاء حرائق المواد الكربونية العادية، بينما تستخدم الغازات المخمدة للدخان مثل طفايات ثانى أكسيد الكربون لإطفاء الحرائق الناتجة عن الكهرباء، أما البودرة الكيماوية الجافة فهى متعددة الأغراض حيث تستخدم لإطفاء الأشياء ذات القيمة مثل النقود والأوراق والمستندات وتصلح أيضًا لإطفاء حرائق الكهرباء وحرائق المواد البترولية فى بدايتها وأخيرًا الرغوى الذى يستخدم لإطفاء حرائق المواد السائلة مثل البنزين والسولار والتنر.
مشيرا إلى أنه يتم تدريب رجال الحماية المدنية على أحدث طرق الإطفاء وحماية أنفسهم والآخرين، وبعد كل بلاغ نقوم بتقييم الإيجابيات والسلبيات والدروس المستفادة للوصول لأفضل النتائج، وندرس بلاغات أخرى بالدول العربية والأجنبية لرفع الكفاءة وزيادة الخبرات، كما يتم عمل دورات تدريبية بالاشتراك مع الدول العربية والأجنبية، مشيراً أن الدولة تسهم فى توفير أحدث وسائل الإطفاء وهذا ما ساعد فى السيطرة على حريق سنترال رمسيس وعدم انتشار النيران وتقليل زمن الإطفاء، حيث توجد إدارة متخصصة بالحماية المدنية «القطاع الهندسي» مسئولة عن الصيانة الدورية وتطوير وتحديث معدات الإطفاء.
الدكتور ثروت وزير أبوعرب استشارى الحرائق ومؤسس معمل القياس والمعايرة ووحداته المعملية بكلية الهندسة جامعة القاهرة أكد أن المنشآت سواء حكومية أم خاصة يتم تصنيفها إدارية أو تجارية أو صناعية أو سكنية أو ترفيهية وكل تصنيف له متطلباته من ناحية الحماية من الأخطار المختلفة ويتم تأمين هذه المنشآت على عدة مراحل، حيث يتم التأمين فى مرحلة التصميم ومرحلة التنفيذ والتسليم ومرحلة التشغيل والاستخدام، وبعدها مرحلة الصيانة والمتابعة، وأى خطر يواجه المنشأة يكون سببه خطأ عند استخدام إجراءات التأمين فى واحدة من المراحل السابقة،يؤكد ابوعرب أن إجراءات التأمين ليست حسب الأهواء، بل تم وضع أكواد ومواصفات قياسية يُصدرها مركز بحوث البناء والتشييد لكل منشأة حسب نوعها واستخدامها، ويجب الالتزام بمتطلبات الكود وعدم التنازل عنه حتى لا تتعرض المنشأة للأخطار وفى مرحلة التصميم وضع الرسومات الهندسية وتحديد نوعية المواد المستخدمة فى الإنشاء وجودتها ومواصفاتها وطريقة تنفيذها وعند التنفيذ يجب أن يتم الاختيار الصحيح للجهة المنفذة وسابق خبرتها ومستوى المعدات واختيار الجهة المشرفة وأن يكون لديها القدرة على متابعة التنفيذ طبقًا للكود والمواصفة لضمان أن يتم التنفيذ طبقًا للرسومات المقدمة ومواصفات المواد المستخدمة حتى لا تحدث مخاطر الانهيار الإنشائى ومراعاة أكواد سلامة العمال، وأكواد تفادى الأخطار أثناء التنفيذ، ثم يأتى التأمين فى مرحلة التسليم من خلال الاختبارات على سلامة المبنى وتطبيق الشفرات والأكواد والمواصفات عليه أما مرحلة التشغيل والاستخدام فتأمينها يتطلب ألا يتم تغيير الاستخدامات المخصصة، فمثلا لا يتم تحويل الجراجات إلى محلات أو مخازن أو ورش مثلما حدث فى معظم عقارات مدينة نصر، أو تحويل أسطح المبانى إلى مخازن، حيث إن الجراج أو السطح له «كود» تأمين يختلف تمامًا عن «كود» المطعم او المخزن يجب أيضًا أن يتم التشغيل بطريقة صحيحة فمثلا لا يتم غلق مخارج الهروب واستخدامها للتشوين أو زيادة عدد السيارات بالجراج عن العدد المحدد حتى يمكن الإخلاء بأفضل كفاءة فى حالات الخطر وألا يتم غسيل السيارات بالكيماويات داخل جراج ليس به شبكة صرف حتى لا تتآكل أساسات وأعمدة العقار.
كما أن المخازن العشوائية خطر كبير خاصة لو كانت مواد قابلة للاشتعال مثلما حدث فى حريق السبتية وايضا الأكشاك التى يتم إقامتها دون اعتبار لأى قواعد مثلما حدث فى شبرا الخيمة، ناهيك طبعاً عن المصانع فى المناطق القديمة والعشوائية والضيقة التى يصعب الوصول إليها.
مضيفاً أن العقارات السكنية قد يكون الساكن نفسه مصدر أخطار إذا استخدم تركيبات ولوحات كهربية وأسلاك من خامات رديئة الصنع وغير مطابقة للمواصفات، أو عدم التأسيس الجيد لشبكة الكهرباء الرئيسية والتحميل الزائد الناتج عن استخدام أجهزة كهربائية وأجهزة تكييف كثيرة ومن المخاطر الكبيرة أيضًا الاستخدام الخاطئ لأسطوانات البوتاجاز أو الغاز الطبيعى أو عدم التأكد من سلامة الوصلات، مما قد يسبب انفجارات وحرائق فى المبانى التجارية الممارسات الخاطئة فى العرض والتخزين ووضع الإعلانات الكهربائية فوق المحلات والكابلات والأسلاك تمر بين البضائع مما يعرضها لأخطار الحريق.
العميد دكتور خالد عكاشة مدير المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أكد أن وزارة الداخلية لديها خطط وأجهزة خاصة بحماية المنشآت المهمة، وهناك أكثر من إدارة مختصة بهذه الحماية، سواء على مستوى الحماية التقنية المرتبطة باشتراطات الأمن والدفاع المدنى ومكافحة الحرائق ومكافحة أعطال تكنولوجيا الحماية المرتبطة بتأمين المبانى من الخارج، وتأمين المنشآت وممتلكات المؤسسات، وهذا يتم على مستوى عالٍ جدًا من التقنية المتطورة، وتم استحداث نظم مميزة فى مبانى المؤسسات الحكومية الرئيسية التى انتقلت إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وهنا نتحدث عن الوزارات وكثير من مؤسسات الدولة الموجودة وسط العاصمة القديمة، مما يفرض ضرورة تطوير عمليات الحماية والتأمين لتصل إلى الكود المقارب للكود العالمى فى تأمين تلك المنشآت والممتلكات، ورغم هذه الأمنية الممكن تنفيذها فى هذه الأماكن المصرفية، يواجهنا تحدٍ فى بعض الأماكن الخدمية التى ما زالت حتى هذه اللحظة لم تنتقل إلى العاصمة الإدارية نظرا لطبيعة دورها وما تؤديه من خدمات، وهنا نتحدث عن نموذج سنترال رمسيس، والمؤسسات الحكومية الموجودة من عشرات السنين داخل نطاق القاهرة القديمة، وهذا الأمر أيضا تعمل عليه وزارة الداخلية تحت إطار التأمين والحماية.
يؤكد عكاشة ضرورة الموضوعية فى مناقشة القضايا فلا نقع بين التهويل أو التهوين، هناك أخطاء بالفعل ولكنها موجودة فى كل دول العالم التى شهدت أحداثا مماثلة لما جرى فى سنترال رمسيس، ووجدنا الإعلام تعامل معها فى إطار موضوعي، ولم نجد افتراضات التواصل الاجتماعى التى جعلت من نفسها قضاة وخبراء فى علوم التأمين والاتصال.
يرفض عكاشة وصف الحرائق فى المنشآت الحكومية بأنها ظاهرة، مشددا أن الأمر فى مصر لم يصل حد كونه ظاهرة على الإطلاق، لأن مفهوم الظاهرة يعنى حوادث متكررة، مبينا أن القياس يكون على مستوى خمس سنوات مضت، وخلال تلك السنوات الخمس لم نسجل من الحوادث ما يجعلنا نصفها بالظاهرة، أو ونتهم الأجهزة المسئولة بالتقصير فى إجراءات التأمين، بل العكس فإن إجراءات التأمين تتم على مستوى جيد.
العميد مجدى أحمد عميد رئيس مجلس إدارة إحدى شركات الخدمات الأمنية أكد أن تأمين المنشآت الحكومية لا يختلف عن تأمين المنشآت غير الحكومية، حيث يعتمد على طبيعة المنشأة نفسها وطبيعة نشاطها، والقاعدة الأساسية أن سرعة التبليغ عن المخاطر تقلل من الكوارث، وهناك بعض المنشآت التى يعتمد تأمينها بشكل أساسى على العنصر البشري، مما يتطلب اليقظة، بينما نجد بعض المنشآت تعتمد على معدات وأجهزة الأمن الصناعي.
فيما يشير شادى رأفت مدير إحدى شركات الأمن الصناعى أن تامين المنشآت الحكومية يتم طبقًا لاشتراطات الدفاع المدنى طبقًا لأكواد الأمن والسلامة حسب طبيعة كل منشأة سواء أكانت مبنى إداريا أو مصنعا أو مخزنا من ناحية مداخل ومخارج الطوارئ ووسائل التأمين المستخدمة، وتقوم المنشأة بتنفيذ هذه الاشتراطات قبل بدء النشاط حسب مواصفات الكود المصري.