أزعم أن الحياة الاجتماعية هى البنية الأساسية لصلاح أو فساد أى مجتمع وهى المحور الأساسى لشكل الحياة السياسية والاقتصادية وما يرتبط بهما من أوجه وأنشطة مختلفة ومن هنا يتبادر إلى ذهنى مجموعة من التساؤلات ربما تنجح الإجابة عليها فى توصيف حالة التخبط التى يعيشها المجتمع.
أول هذه التساؤلات هو هل مازال المجتمع قادراً على التمسك بمعتقداته وقيمه التى كانت سائدة منذ عدة سنوات ، هل النجاح والفشل فى التعليم مازال معياراً أساسياً فى تقييمنا للأشخاص ، هل لدينا صراع بين القديم والحديث نعيش معه حالة من انعدام الرؤى ، وهل التمسك بالموروثات أصبح درباً من دروب الخيال؟ والإجابة على هذه التساؤلات وغيرها تحتاج إلى دراسات بحثية تعتمد على المسح الشامل لعينات مختلفة من المجتمع وربما تكون النتائج غير دقيقة بعض الشئ لكن بلاشك نحن نعيش أزمة صراع فرضت حالة من التخبط فى الحياة الاجتماعية انعكست بدورها على كافة أوجه الحياة.
فى الماضى كان دخول كلية الطب قمة التفوق والنجاح وبمعايير هذا الزمن قد يرى البعض أنه قمة الفشل فما الذى يدفع الإنسان للدخول فى معركة تعليمية قد لا تنتهى من أجل حمل لقب قد لا يعود عليه بأى نفع مادى إذا لم تتوافر لديه المقدرة لافتتاح عيادة فى أحد المراكز الطبية التى تنتشر فى الأحياء الراقية لتدر عليه عائداً يوازى تعبه واجتهاده وهنا يكون التساؤل هل كلية الطب مازالت واحدة من كليات القمة وفقاً لأعراف الماضى من وجهة نظر الجيل الحديث؟!
لا أستطيع الإجابة على هذا التساؤل بشكل قاطع ولكن أزعم أن معايير التفوق باتت مختلفة وما كان فى الماضى مصدر فخر فى المجتمع بات اليوم نوعاً من الموروثات البالية فمنذ 25 عاماً عندما التحقت ببلاط صاحبة الجلالة كانت تنتابنى حالة من الزهو والفخر لكونى واحدة من أصحاب القلم لكن اليوم لم يعد لهذه الحالة وجود ربما بعدما باتت نظرة المجتمع مختلفة لأبناء هذه المهنة بفعل المتغيرات التى طرأت على شكل الرسالة الإعلامية.
نحن فى حاجة ماسة للتوقف لتصحيح مفاهيمنا المجتمعية وإعادة بلورتها فى شكل يمكن معه إعادة استنهاض الهمم وإنتاج حالة مختلفة تنعكس بدورها على أوجه الحياة المختلفة فلم يعد مجدياً البكاء على اللبن المسكوب ومن هنا يتوارد على ذهنى فكرة تعظيم الأدوار بمعنى أن كل شخص فى المجتمع لابد أن ينتابه شعور العظمة تجاه الدور الذى يقوم به ليشعر أنه شخص ذو تأثير فى الحياة ووجوده أمر فى غاية الأهمية وإزاء هذا الشعور سيتحول من شخص سطحى ومهمش لشخص مؤثر .. وهنا لابد أن يتغير السلوك المعتاد حتى ننجح فى إحداث هذا التأثير فعلى سبيل المثال اعتادت البرامج التليفزيونية استضافة نجوم الفن والرياضة والمشاهير فى الوقت الذى تعزف عن استضافة جامعى القمامة وإلقاء الضوء على الدور المهم الذى يلعبونه فى حياتنا.
وينعكس هذا على الكثير من المهن فى المجتمع فليس من المقبول أن تكون لدينا شهرة واسعة فى مجال تصنيع الأثاث ونجد منازلنا مليئة بالقطع المستوردة وعندما تتوقف ستجد هذا بسبب نظرة المجتمع لبعض المهن الحرفية والتى جعلت الجيل الجديد يعزف عن ممارسة مهنة الأباء والأجداد.. حقاً نحن فى حاجة ماسة لتعظيم الأدوار فى المجتمع من أجل حالة اجتماعية قادرة على إعادة صياغة المشهد السياسى والاقتصادى وما ينعكس عليهما فى المجتمع المصري.