أسوأ ما يمكن أن يحبط أمة هو رفع سقف توقعاتها من خلال ضخ أخبار شديدة المبالغة في التفاؤل ثم تنتهى إلى لا شئ تقريبا، وحتى لا تكون كلماتي تنظيرا فليسمح لى دولة رئيس الوزراء أن أذكره بوعود سابقة لدولته وعلى الهواء مباشرة بأن مصر ستصل إلى الاكتفاء الذاتي من المواد البترولية المختلفة عام 2023، بالتأكيد هذه التوقعات كانت مبنية على أرقام وإحصاءات فنية، وبالتأكيد أيضا فإن الدكتور مصطفى ليس خبيرا متخصصا فى الطاقة، لكنه بنى تصريحه على ما رفعه إليه مرء وسوه، ونحن في الإعلام والصحافة تلقفنا تصريح رئيس الوزراء بفرح وسعادة غامرة وقمنا بفرد المساحات والاستضافات لشرح هذه البشرى للناس..
وقد جاء عام 2023 ولم يتحقق الاكتفاء الذاتي من المواد البترولية، ولن يتحقق بالتأكيد فنحن دولة ليست غنية فى مواردها الطبيعة ومن يسوق قولا غير ذلك فقطعا يضر ولا ينفع، هذا التصريح القديم تمت إعادة تداوله مصحوبا بطرح أسئلة مشروعة عن مصداقية التصريحات الحكومية، لكن الأخطر في هذه المسألة وأشباهها أن الإعلام والصحافة قد نالهم القدر الأكبر من التقريع والسخرية، أنا شخصيا تعرضت لموجة من السخرية نتيجة تناولى القديم لتصريح الحكومة حول الاكتفاء الذاتى من المواد البترولية مع عدم تحقق هذا الوعد، فكان يتم إعداد فيديو واحد يجمع تصريحات رئيس الوزراء وتناولى لهذا التصريح بالاحتفال والاحتفاء ثم حديثنا عن تخفيف الأحمال العام الماضي، تذكرت هذه الواقعة بعدما صرح الدكتور مصطفى مدبولى بعد آخر اجتماع لمجلس الوزراء بأن إنتاج الغاز في مصر سيصل إلى 66 عام 2027، وهذا يعنى أننا سنعود إلى الاكتفاء الذاتى مجددا وربما نعود إلى تصدير الغاز المسال، ولأن الحكمة تقول إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فلن أتناول هذا التصريح من زاوية التفاؤل مجددا، لن أحتفى ولن أحتفل، بل سأنتظر حتى يتحقق شيئا من هذا على الأرض، وبعدها نحتفل معا، تعلمت الدرس بتكلفة عالية خصما من رصيد مصداقية مهنية لا أملك سواها..
وعلى صعيد المصلحة العليا للبلاد، أرى أن التصريحات التي تستهدف رفع الحالة المعنوية للناس يجب أن تكون واقعية وقابلة للتنفيذ، بيد أن رفع توقعات الناس خطأ هيكلي في معظم حكوماتنا منذ أيام الدكتور عاطف عبيد عندما بشرنا بالخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية وانتظرنا طويلا ومازلنا نحاول الخروج حتى الآن، وهنا وجب التنويه والتأكيد على ما قاله فخامة الرئيس مرارا وفي مناسبات عدة.. كلموا الناس.. قولوا للناس الحقيقة..
الرئيس كان صريحا واضحا لا يجمل الصورة ويضع الجميع أمام مسئولياتهم، فالوطن ملك الجميع ويجب على الجميع معرفة الحقائق كاملة الرئيس تحدث عن ظروفنا ومواردنا وإمكاناتنا بكل صراحة وقال: «إحنا فقراء» وهذا يدعونا للتفكير خارج الصندوق الخلاصة أنا أعلم كم الجهد الصادق الذي تبذله الحكومة ورئيسها لكن رفع سقف توقعات الناس لا يأتي بخير لا للحكومة ولا للدولة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.