أطفال ونساء ورجال غزة يموتون جوعاً وعطشاً، أصبح خبراً معتاداً تتناقله وكالات الأنباء والمحطات الفضائية يومياً، دون أن يهتز ضمير العالم أو يرتجف لأحد قلب.. اللهم إلا «مصمصة» بعض الشفاه من هنا أو هناك، دون تغيير فى الموقف أو ردع للعدوان أو حتى إدانة مؤثرة لجرائم إسرائيل الوحشية فى حق الأطفال الأبرياء الأنقياء وحق الإنسانية جمعاء.. أى قسوة وبلادة وجحود أصابت غالبية حكومات وشعوب العالم، التى ترى وتسمع عن مئات القتلى الذين يلقون حتفهم يومياً على أيدى قوى البطش والقهر والظلم من أبناء الشعب الفلسطينى، دون أن يحرك ذلك ساكناً أو يدفعهم لاتخاذ إجراءات لوقف هذه المهزلة التى لا تنتهى، والجريمة البشعة على جبين العالم؟!
إسرائيل حكمت على جميع سكان القطاع بالإعدام جوعاً، والعالم يرى ولا يتحرك.. الغريب والعجيب بعد كل هذه الجرائم، صدر قرار الخميس الماضى من الحكومة الإسرائيلية بإعادة احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه إلى الجنوب.. هذا القرار جريمة جديدة تضاف إلى سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، بما فيها القدس.
الراصد للأحداث فى الشرق الأوسط، يجد أن هذا القرار الذى جاء بمباركة أمريكية صدر بعد إخفاق إسرائيل فى تحقيق أهدافها السياسية سواء باستعادة الرهائن أو القضاء على حماس، والهدف منه محو فلسطين من الوجود وطمس معالمها وابتلاع ما تبقى من أرض فلسطين، بقوة السلاح والإرهاب.
احتلال القطاع بالكامل، يعنى أن الحدود مع غزة تتحول إلى خط مباشر بين الجيش المصرى والجيش الإسرائيلى، وهو سيناريو يفرض على القاهرة استنفاراً أمنياً طويل الأمد ويزيد من مخاطر التوتر الحدودى.. الأمر الذى سيضع مصر أمام مسئولية مضاعفة فى حماية العمق العربى سياسياً وأمنياً وإنسانياً.
إن إعادة احتلال غزة ليس مجرد خيار عسكرى، بل مشروع انتحارى فاشل.. سياسياً، ستعزل إسرائيل أكثر مما هى معزولة الآن.. وعسكرياً، ستفتح على نفسها حرب استنزاف بلا نهاية.. وإنسانياً، ستفاقم المعاناة فى القطاع وتوحد الفلسطينيين ضد الكيان الصهيونى.
مصر منذ اللحظة الأولى لتدهور الأوضاع فى غزة، تصدرت المشهد الإنسانى وتحملت العبء الأكبر فى مساندة غزة على كل المستويات.. الأمر الذى يؤكد أن المواقف المصرية لا تقوم على الشعارات، بل على أفعال ملموسة تخطت حدود المساعدة إلى التضحية بكل الإمكانات من أجل بقاء الشعب الفلسطينى على قيد الحياة.
>> خلاصة الكلام:
حان الوقت لموقف حازم من المجتمع الدولى لوقف هذا المسلسل الدموى والاحتلال الظالم.. لأن ما يحدث فى أهل غزة من تعذيب وترويع وقتل وتجويع وتشريد وتدمير واحتلال، ليس أزمة إنسانية فحسب، بل اختبار قاس وصارخ لضمير العالم، بعدما تحول الحصول على رغيف الخبز إلى عمل بطولى وقطرة الماء إلى فعل مقاومة والطفولة إلى هدف عسكرى رخيص وجبان.. إذا لم يتحرك العالم الآن لوقف هذه الجرائم ومخطط الاحتلال، فلنصرخ جميعاً لأن سلاح المجاعة والقتل والاحتلال وتشريد أهل غزة وصمة عار فى جبين الإنسانية والعالم أجمع.