سألتنى إحدى القنوات عن الإجراءات التى تتخذها الدولة ضد بعض اليوتيوبرز الذين يخرجون على القيم والأخلاق ، فقلت : الذى يخرج على القانون يحاسب بالقانون. لكن القانون وحده لا يحل المشكلة، بل لا يحل أى مشكلة فهناك أمور كثيرة يجب أن تصاحب القانون لكى يتحقق المقصد الأسمى لجميع جوانب العمل.
فالذى يتأمل هذا اللون من الاعلام يكتشف أن أغلبه غير مؤسس على علم ، كما أنه يمثل حالة من الاندفاع هدفها الأكبر وهدف أغلب الداخلين فيه هو الحصول على المشاهدات والاعجابات التى تترجم إلى نقود من خلال الإعلانات التى تتأثر بعدد المشاهدات فإذا عرفنا أن اللجوء إلى هذا الاعلان الذى لا يحتاج من بعض نجومه سوى العراك مع الزوج أو الزوجة أو الصديق أو التلفظ بألفاظ خارجة أو التعرى أحيانا وإذا عرفنا أيضا أن المردود المادى لهذا الإعلام الجديد كبير جدا لأنه يحسب بالدولار .
إذن فالاقبال على مثل هذا اللون من الإعلام والإعلان لن يتوقف ولن يتراجع ،لكن الذى يمكن أن يحدث هو أن يتهذب.
وتهذيبه يتحقق أولا بأن تدرك الأجهزة المسئولة عن صناعة الوعى الجمعى وعن بناء الفرد علميًا وثقافيًا وتربويًا فى إطار المقاصد العليا للوطن التى منها تعزيز الهوية – أقول على هذه الأجهزة أن تدرك أنها مسئولة عن هؤلاء الإعلاميين الجدد، وأن المسئولية تتمحور حول إعانة هؤلاء فى الإعلام الجديد لأن يعرفوا خطورة ما يقومون به إيجابًا وسلبًا.
أما الأمر الثانى فهو العلم وإذا كان محمد على الكبير كان يقوم بإجبار الناس على الاتجاه الى التعليم وظلت الدولة تحاسب وتعاقب من يمنع أبناءه من التعلم والحصول على التعليم الأولى فلا بد أن نلزم وندفع أولئك الاعلاميين الجدد إلى تعلم هذا الفن لأن جهل أكثرهم سيحول بينهم وبين إدراك أهمية التعلم والإعداد من خلال مراكز تدريب جادة يقوم عليها خبراء فى هذا المجال بحيث يصبح هذا الإعلامى على وعى تام بهذا الفن ،وعلى وعى بإطاره وإبعاده وما يمكن أن يحدثه تصرف قد يكون بسيطا من أثر إيجابا وسلبًا ويدرك أن الاباحية والخروج على القيم ليست وحدها من تجلب المشاهدات وأن هناك أشياء جادة ومفيدة تجلب أكثر مما تجلب الاباحية ويدرك أن الإعلامى قد يسبب أذى كبيرا لمجتمعه ووطنه من خلال صورة أو معلومة قد تبدو بسيطة فى زمن يمثل التجسس وجمع المعلومات وتحليلها من أخطر وسائل الحرب على المجتمعات. بعد ذلك يكون القانون الضابط للجميع فوق الجميع فمن يخرج على القانون يحاسب بالقانون فى عدالة لا تستثنى أحدًا .
قد يحتاج هذا التصويب للإطار أو للمسار المتمثل فى الخروج من ظلمات الجهل الى نور العلم ومن دوائر التفاهة إلى آفاق الجد والاجتهاد وصناعة مستقبل الأمة – أقول يحتاج هذا وقتا وجهدا وجهادا من كل أبناء الأمة بعد أن يستشعر الجميع بأننا مواجهة خطر يتعلق بالوعى والهوية ، لكن ليس أمامنا إلا أن نبدأ بهمة المحارب الذى يواجه عدوا شرسا.
لا ننسى أن أذكر أن كل ابتكار جديد غالبا ما يساء استخدامه ويظل الأمر كذلك حتى تستقيم الأمور ويتخذ طريقه المفيد والإيجابية إلا إذا كان وراءه من يحرص على بقائه فى منطقة التفاهة أو الإفساد فيظل بفعل فاعل بعيدا عن الاستقامة ،ومن هنا علينا أن نجاهد أولئك الذين يعظمون من مردود التفاهة بتقديم محتوى جاد مخدوما بالتدريب والعلم والتوعية.