فى زمن تتصارع فيه المصالح، وتتصاعد فيه حروب المعلومات وتتعقّد فيه ملفات السيادة، يطل علينا قاض مصرى من طراز خاص، لا يكتفى بأن ينصف الحق فوق منصات العدالة، بل يتقدم الصفوف فى ساحات الفكر والقانون الدولي، متحدثًا باسم وطنه ومعبّرًا عن ضمير أمته.. إنه المستشار عادل ماجد، نائب رئيس محكمة النقض، الذى تجسّد مسيرته واحدة من أنصع صور «القوة الناعمة المصرية». المستشار عادل ماجد ليس من أولئك الذين يطلبون الأضواء، فهو من القامات القضائية التى يحتذى بها دوليًا، لا فقط بوصفه رجل قانون، بل رجل دولة. تابعت مسيرته منذ سنوات، وتوقفت طويلاً أمام مؤلفه البارز: «مواجهة الإرهاب فى سيناء: استراتيجية الضربات الاستباقية» الصادر عام 2015، الذى وظف فيه أدوات القانون الدولى لتفسير وتثبيت شرعية العمليات العسكرية المصرية ضد الإرهاب، من منظور قانونى دقيق.. ولم تمض سنوات حتى عاد بقوة عبر مؤلف جديد صدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بعنوان «المواجهة القانونية لجرائم الإبعاد القسرى وتهجير السكان فى غزة»، مقدّمًا فيه مرجعية قانونية متكاملة لحماية المدنيين وفضح الجرائم ضد الإنسانية. ومن وجهة نظرى أن ما يميز هذا القاضى ليس فقط إنتاجه العلمي، بل حسه الوطنى وسرعة استجابته.. فحين تقع مصر فى دائرة الاستهداف، لا يكتفى بالتحليل أو التعليق، بل ينخرط فى صياغة الردود القانونية وبناء الأطر الفكرية التى تمكن الوطن من الدفاع عن نفسه بأدوات القانون. لكن المفاجأة التى لم يتوقعها كثيرون، كانت عندما قرر المستشار عادل ماجد دخول واحد من أعقد وأحدث ميادين العصر: الذكاء الاصطناعي.. لأنه أدرك – ببصيرته القضائية – أن المستقبل قد يُصادر الحقيقة إن ترك الخيال الاصطناعى بلا ضوابط. ففى الملتقى الشبابى الدولى للذكاء الاصطناعى الذى نظمته وزارة الشباب والرياضة مطلع هذا العام، ألقى المستشار ماجد كلمة ألهمت الشباب قبل أن تبهر الخبراء ،تحدث بلغتهم، ربط بين القانون والواقع الرقمي، حذر من استخدام التكنولوجيا فى نشر الشائعات والتلاعب بالعقول، فكُرم من وزير الشباب تقديرًا لجهوده فى توعية الأجيال ودعم القضايا الوطنية. ثم كانت الخطوة الكبري.. حين تلقى دعوة من الأمم المتحدة للمشاركة فى منتدى حوكمة الإنترنت 2025، لم يكن ذلك مجرد حضور بروتوكولي، بل اعتراف دولى بمكانته الفكرية والقضائية.. وقد جاءت كلمته فى جلسة «ضوابط استخدام الذكاء الاصطناعى فى القضاء» حاسمة: «لا يجوز أن يترك الذكاء الاصطناعى دون حوكمة، ولا أن تحتكره الشركات العملاقة.. وإلا انتهكت سيادة الدول وانكسر ميزان العدالة». شدد على أن التكنولوجيا لا يمكنها – مهما بلغت من تطور – أن تحل محل الضمير القضائي، ولا أن تقيد حرية القاضى فى تكوين قناعته.. استند فى ذلك إلى مبادئ محكمة النقض المصرية، فحول الجلسة إلى منصة عالمية للدفاع عن «العدالة الإنسانية» فى عصر الخوارزميات. لم تكن مداخلته عابرة، فقد لاقت إشادة واسعة من كبار الشخصيات الدولية، مما دفع أمانة المنتدى إلى دعوته رسميًا لإلقاء الكلمة الختامية «كأول قاض مصرى وعربى يفعل ذلك فى تاريخ المنتدى الممتد لعشرين عامًا».. وعلى المنصة وقف بجواره مسئولون من طراز رفيع: من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، إلى وزراء من النرويج وبريطانيا، إلى ممثل شركة OpenAI العالمية. فى كلمته الختامية، قال عبارة أصبحت عنوانًا لكثير من التقارير الإعلامية الدولية: «العدالة لا تزدهر إلا حين تسود سيادة القانون.. والقضاء المستنير هو السند الحقيقى لحماية الحريات فى زمن الذكاء الاصطناعي». لعل أكثر ما لفت الانتباه فى خطابه، تلك العبارة التى تناقلتها وسائل الإعلام: «المفسدون لا يحتاجون إلى أسلحة مادية.. يكفى أن يلوثوا الوعي». جملة موجزة لكنها تختزل فلسفة قاض يرى أن معركة الوعى فى العصر الرقمى لا تقل أهمية عن معركة الأرض.. ولذا، دعا إلى تعزيز وعى المجتمع بكشف الأكاذيب ومواجهة حملات التضليل، التى تُستخدم فيها تقنيات متطورة لاستهداف عقول الشعوب. وسائل الإعلام الوطنية احتفت بهذه المشاركة الرفيعة، وعلى رأسها الهيئة العامة للاستعلامات ووكالة أنباء الشرق الأوسط، واعتبرتها امتدادًا فعليًا لمبادرة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى «بداية جديدة لبناء الإنسان المصري»، حيث عبرت كلمات المستشار ماجد عن جوهر هذه المبادرة: حماية عقول النشء من الفوضى الرقمية وتحصينهم بالوعى والمعرفة. من خلال هذه المشاركة الدولية، رسخ المستشار عادل ماجد صورة مشرفة للقضاء المصرى فى قلب العالم الرقمي، وفتح الباب أمام تضمين مفاهيم «العدالة الرقمية» ضمن أجندة الأمم المتحدة. وبهذا، يؤكد أن قضاة مصر»بعلمهم وخبراتهم « لا يدافعون فقط عن حقوق المواطنين، بل عن ملامح الدولة الحديثة. إنه ليس مجرد قاضٍ، بل مدرسة قانونية تسير على الأرض..قامة علمية متواضعة، جمعت بين الهدوء والهيبة، بين الصمت والنفاذ، بين الموقف والكلمة. ولذلك، حين تذكر سيرته فى المجالس الفكرية، تسمع من الجميع وصفًا لا يختلف عليه اثنان: «القاضى العالم.. رمز من رموز القوة الناعمة المصرية».