تحل هذا العام الذكرى الخامسة والسبعون على قيام جمهورية الصين الشعبية، ففى عام 1949 وصلت الثورة الصينية فى مسيرتها الظافرة إلى عاصمة البلاد بعد مسيرة طويلة فى أودية وكثبان وجبال الصين، واسست الجمهورية الشعبية فى الصين بقيادة ماوتسى تونج، وهى ذكرى عظيمة فى عموم الصين، ومناسبة يبحث فيها الصينيون عما حدث فى بلادهم ولها فى ثلاثة أرباع القرن الفائت.. وعن مغزى ذلك وعبرته.. وعن تجارب تلك السنين الطويلة وامالها وآلامها.. والأهم من ذلك كله.. إلى أين الطريق من هنا، فى هذا العالم العاصف.. وكيف..
وهذا العام – 2024 – تحل ذكرى مرور عشر سنوات على حدث فى منتهى الاهمية فى تاريخ العلاقات المصرية الصينية – وكلتاهما دولة عريقة فى منطقتها وفى العالم – وهو توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين فى ديسمبر 2014.. وهو ما يقتضى إلقاء نظرة على أوضاع الصين فى هذا العالم المتغير، ثم إلقاء نظرة على المدى الذى وصلت إليه العلاقات المصرية الصينية وافاقها..
تشير أرقام الاقتصاد الصينى فى الربع الأول من العام الحالى إلى أن الاقتصاد الصينى يسير بشكل جيد، وهو فى طريقه إلى تحقيق معدل النمو المستهدف من الدولة الصينية والمحدد بنسبة ٥٪، ويرجع ذلك إلى حيوية الاقتصاد الصينى وتمتعه بمجموعة من عوامل الدفع، من بينها امكانيات السوق الصينية الضخمة وتنامى اتساعها، والنمو السريع لأنواع جديدة من الاستهلاك، وتطبيقات التكنولوجيا الجديدة .
وقد بلغ معدل نمو الاقتصاد الصينى العام الماضى 2023 نسبة 5.2٪ فى حين كان معدل نمو الاقتصاد الأمريكى فى نفس السنة نسبة 2.5٪، والغريب أنه برغم ذلك فإن وسائل الإعلام الغربية – والأمريكية منها خاصة – تبذل كل جهدها لتضخيم ما تسميه « الأزمة فى الصين « والتأكيد بشكل مفرط على قوة الاقتصاد الأمريكى مقارنة بنظيره الصينى !!
وتشير أرقام الاقتصاد الصينى أيضا إلى أن إجمالى عدد الشركات ذات الاستثمار الأجنبى عام 2023 التى أنشئت فى الصين قد بلغ 53766 بزيادة بلغت ٪39.7 وطبقا للمكتب الوطنى للإحصاء فى الصين فقد توسعت مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية بنسبة ٪5.5 فى أول شهرين من العام الحالي، وارتفع معها الاستثمار فى الأصول الثابتة بنسبة 4.2 ٪ كما زاد الإنتاج الصناعى والقيمة المضافة بنسبة 7%، وزاد إجمالى التجارة الخارجية – الصادرات والواردات السلعية – بنسبة ٪8.7 على أساس سنوي، ولا تزال نسبة العجز المالى فى الصين فى حدود 3 %، كما لا يزال موقف السياسة النقدية مستقرا .
وفى عام 2023 زاد متوسط نصيب الفرد من الدخل القابل للاتفاق بنسبة ٪6.1، وتم توفير أكثر من 12 مليون وظيفة جديدة فى المناطق الحضرية، وذلك برغم تقلص التجارة العالمية وزيادة حدة الاضطرابات الجيوسياسية حول العالم، حيث يعد عام 2023 أحد أضعف الأعوام فى نمو الاقتصاد العالمى .
ومع كل ذلك، لم تكف وسائل الاعلام الغربية عن خلق صورة ذهنية مخالفة للصين، بادعاءات مثل « أن الاقتصاد الصينى بلغ ذروته « وما عليه سوى النزول من القمة التى وصل إليها، وأن « سياسات التحفيز الاقتصادى فى الصين غير مجدية « وأن هناك « تدهورا فى ثقة العالم فى الاقتصاد الصينى «.. . إلى آخر تلك الحملات الإعلامية الغربية المعتادة .
فى 5 مارس الماضى عرض رئيس مجلس الدولة فى الصين لى تشيانج تقرير أعمال الحكومة أمام الدورة الثانية للمجلس الوطنى الرابع عشر لنواب الشعب، والذى حضره رئيس الدولة وكافة أركان الحزب والحكومة والدولة الصينية، جاء التقرير المهم فى نحو 50 صفحة، وبه عرض لما حققته الدولة الصينية فى عام مضى – 2023 – وما سوف تنوى فعله فى عام سيجئ – 2024 .
وقد حدد التقرير عشر مهام رئيسية أمام الدولة الصينية عام 2024 وما سيليه من أعوام من بينها :
بناء منظومة الصناعات الحديثة، تطوير القوى المنتجة الجديدة كالروبوتات مثلا، التركيز على التعليم والعلوم الحديثة، توسيع الطلب المحلي، توسيع نطاق الانفتاح على الخارج، علاقة التنمية بالأمن، الزراعة والنهوض بالمناطق الريفية.. . إلى آخره .
واذا أخذنا مثالا واحدا على نظرة الصين إلى طبيعة تحدى المستقبل وهو مجال الذكاء الاصطناعى فإن خطة الصين أن يصل حجم السوق بحلول عام 2035 إلى 1.72 تريليون يوان (الدولار الأمريكى يساوى ٧ يوان) وهو رقم ضخم للغاية، ويمثل نحو 30.6٪ من الحجم الإجمالى العالمى لسوق الذكاء الاصطناعي..
تحديات على الطريق..
وقد اعترف تقرير أعمال الحكومة بوجود صعوبات لا يستهان بها أمام الاقتصاد الصينى من بينها : عدم وجود اساس متين بما فيه الكفاية للتعافى والنمو الاقتصادى المستدام، وكذلك نقص الطلب الفعال، كما تباطأ العمل فى مشروع الصين الطموح « الحزام والطريق « تحت تأثير المتغيرات الدولية العاصفة فى السنوات الأربع الماضية – كوفيد 19 وأزمات سلاسل الإمداد والحرب فى أوروبا – وفى مارس الماضى تم تنفيذ ما أسمته الدولة الصينية « المشروعات الصغيرة ولكن النافعة « على طول طريق الحرير، وذلك بعد فترة ساد فيها العمل فى المشروعات الكبيرة، أو مشروعات البنية الأساسية الضخمة .
ويذهب بنا ذلك إلى السؤال الثانى :
هل الحصار الأمريكى للصين، والمتمثل بصورة أساسية فى منع تصدير التقنيات شديدة التقدم إلى الصين – وروسيا أيضا – سيؤتى أكله؟
طبقا لبعض كبار الباحثين فى الصين أن الحصار التكنولوجى الذى فرضته الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية سيجلب بالتأكيد بعض المتاعب، ولكن إلى حد ما هو فرصة للصين للاعتماد على الذات، وقد اعترفت بعض المنظمات الأمريكية المرموقة بقدرة الصين على تخطى ذلك الحصار، فقالت المؤسسة الأمريكية لتكنولوجيا المعلومات والابتكار فى نهاية 2023 ان جهود الصين واستثماراتها فى التكنولوجيا المتقدمة فى السنين الأخيرة تؤتى ثمارها، وأن الصين أخذت زمام المبادرة فى معظم الصناعات الاستراتيجية وأكثرها تقدما..
أصبح يوم 23 من ديسمبر عام 2014 يوما ذا أهمية بالغة فى تاريخ العلاقة الصينية – المصرية، حيث شهد الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الصينى شى جين بينج فى قاعة الشعب الكبرى ببكين مراسم التوقيع على وثيقة الارتقاء بالعلاقة الثنائية إلى شراكة استراتيجية شاملة، الأمر الذى يدل على أن الصين ومصر صاحبتا أقدم حضارة عرفتها البشرية قد دخلتا مرحلة غير مسبوقة من العلاقات الوطيدة والتعاون الوثيق .
ويولى الرئيس السيسى اهتماما بالغا بتطوير العلاقات مع الصين، إذ أمر بإنشاء «وحدة الصين» داخل مجلس الوزراء ليترأسها رئيس الوزراء، تأكيدا على إرادة سياسية مصرية واضحة فى تعزيز العلاقة مع الصين، ويناقش الرئيس السيسى بنفسه أعضاء الوحدة فى طرق وأساليب تطوير التعاون مع الصين..
وقد وقعت مصر والصين منذ شهرين على البرنامج التنفيذى للشراكة الاستراتيجية الشاملة خلال الخمس سنوات المقبلة، وذلك خلال لقاء وزيرى الخارجية المصرى والصيني، تجديدا لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين..
وفى اكتوبر 2023 وافقت الصين على برنامج لمبادلة الديون مع القاهرة للمرة الأولى فى تاريخها، وأعلنت شركات صينية ضخ استثمارات بأكثر من 15 مليار دولار فى إنتاج الوقود الأخضر والتصنيع فى مصر .
وكانت مصر قد طرحت سندات باندا بقيمة 3.5 مليار يوان صيني، أى ما يعادل أكثر من 478 مليون دولار، بهدف جذب استثمارات صينية .
وتستثمر 2418 شركة صينية فى مصر حتى منتصف العام الماضي، يتركز نسبة ٪47 منها فى النشاط الصناعي، وفى مجالات مثل الأجهزة المنزلية، والمنسوجات، والصناعات الغذائية، والأعلاف الحيوانية والفايبر جلاس وغيرها .
وأعتقد أن ما شهدته الأيام الماضية من اتفاقيات للعديد من الشركات الصينية لتأسيس مصانع لها فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس يعطى مؤشراً واضحاً بأن الشراكة المصرية – الصينية تتجه إلى منطقة أخري، وستشهد تزايداً كبيراً خلال الفترة القادمة، خاصة وأن الشركات الصينية ترى ميزة كبيرة فى الاستثمار بمصر بسبب الموقع والإمكانات والحوافز المقدمة، وهذا ما كنا نطالب به لأن الصين قوة اقتصادية صاعدة بقوة، ومصر لديها قدرات ضخمة، المؤكد أن وأعتقد أن ما شهدته الأيام الماضية من اتفاقيات للعديد من الشركات الصينية لتأسيس مصانع لها فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس يعطى مؤشراً واضحاً بأن الشراكة المصرية – الصينية تتجه إلى منطقة أخري، وستشهد تزايداً كبيراً خلال الفترة القادمة، خاصة وأن الشركات الصينية ترى ميزة كبيرة فى الاستثمار بمصر بسبب الموقع والإمكانات والحوافز المقدمة، وهذا ما كنا نطالب به لأن الصين قوة اقتصادية صاعدة بقوة، ومصر لديها قدرات ضخمة، المؤكد أن مستقبل واعد للعلاقات المصرية والصينية، يساعد عليه أن كلتا الدولتين فى عين عواصف دولية لا ترحم أحدا، وهو ما يحتم ان يواصل البلدان تعميق الثقة الاستراتيجية المتبادلة، ودعم بعضهما بعضا بقوة فى حماية المصالح الأساسية لكلتيهما..