هل كان من الصعب ان تكون المسافة أقصر بيننا وبين فنان كبير كزياد الرحبانى ؟
لقد احب زياد مصر والمصريين كما اعلن كثيرا فى زياراته القليلة لمصر عام 2010، 2018 والتى أكمل بها زيارة والدته المغنية والمبدعة الكبيرة فيروز وأبيه عاصى الرحبانى عام 1989، والتى لا ينسى الكثيرين حفلها فى ساحة الاهرامات وأغنية لمصر خصيصا «مصر عادت شمسك الذهبى «
رحل زياد رحبانى ليكشف عن محبة كبيرة له فى قلوب العرب فى كل مكان، وهو الفنان المبدع الذى كتب المسرحيات والأغاني، ووضع ألحانها، ولتصل الكلمات عنه على السوشيال ميديا الى ما لا يصدق من المحبة والتقدير، خاصة لحياته التى امتلأت بالأحداث والمفاجآت والحكايات التى جمعت بين كونه واحداً من آل الرحباني، وفنان اختار ان يكون حرا رافضا لاى قيود، ولأننى وغيرى نحب أغانيه التى تغنيها فيروز، وألحانه، بحثت عن مسيرته لأكتشف الكثير جدا من حياة غنية وصعبة ومدهشة ومزعجة ايضا فى بعض الأحيان، يروى فى احد البرامج الألمانية كيف بدأ حياته الفنية ككاتب بمسرحية «سهراية «عام 1973، وكانت اول علامة استقلال له عن الاسرة أتاحت له شراء سيارة لاول مرة، لتأتى بعدها الحرب الاهلية على لبنان بعد عامين وتطيح بأمانه، ويتعلم زياد ان يقضى يومه كله فى العمل حتى يصل لنتائج تساعده فى بداية حياته على حد تعبيره «الفن طغى علي الانسان «وتتوالى الاحداث السياسية، وتنتهى الحرب ويعترف انه «لم يتغير شيء بعد الحرب، ويقرر الهروب هو وزوجته الاولى من البلد كله، ولكن تحدث مجازر صبرا وشاتيلا، وانسحب الفلسطينيون من بيروت، و»صار الامن متعدد الاتجاهات ، ولم تشرق الشمس بعد هذه الحروب كما كنت أفكر فكتبت مسرحية «شئ فاشل «ً.
الحالة تعبانة يا ليلى
كتب زياد اول كتاب له وعمره 13 عاما، وكان هذا جزءا من تمرده على العائلة «كنت اعتقد ان الطفولة لا تعنينى فى شيء، واتضح لى اننى مخطئ، فقد شعرت وقتها بأن عالمي صعب فتركت اهلى وعندى 14 سنة بسبب تفكك عائلتي، وحين عدت اليها حاولت طول حياتى ان اربط العلاقة بين أبى وامى برغم انها عملية اكبر منى بكثير، وتتوالى اعترافاته، وبعضها كان غريبا مثل «كلمة فنان أكرهها كثيرا، أنا موسيقى وصحفى «
،واستمر يكتب مسرحيات ومقالات وأغاني، ولكنه توقف عن كتابة المسرحيات عام 1994وقرران تكون الموسيقى هى همه الاول وغنى اغنية اصبحت شهيرة لموضوعها «الحالة تعبانة ياليلى » وكانت تصور الحالة الاقتصادية وقتها.
سألونى الناس وسيد درويش
إذا اللحن ضبط فى مصر، ما بيهمك شئ، ،هكذا قال زياد لمنى الشاذلى فى حوار مهم لبرنامج «معكم» عام 2018 وبعد عامين ونصف من العزلة التى قررها بسبب «الحياة المهنية الصعبة «والتى خاف ان تدفعه لكراهية المهنة وفقا لاعترافه، «هنا فيه دولة ودار أوبرا وده كويس «،»اول مرة أشوف دار الأوبرا اليوم «،مؤكدا ان ضياع الوقت فى الحرب كان صعباً وله تأثير سيئ على الكل، وعن تلحينه لفيروز وكيف بدأ قال «أنا لم اقرر هذا وانما وضعت لحنا وسمعه عمى منصور فوضع له كلمات، لتصبح اغنية «سألونى الناس « وكان عندى وقتها 14 سنة، وصفه كثيرون انه لحن ناضج وليس طفولي، كنت متأثرا بسيد درويش الذى سمعته فى إذاعة صوت العرب، وتأثرت باللحن المصري، ويكمل زياد» لو عاش سيد درويش اكثر من هذا كان سيقدم اكثر مما قدمه ومنه «الحلوة دى قامت تعجن فى البدرية، ،والديك بيدن كوكو فى الفجرية «.وبعد سألونى الناس ، قدم الابن لوالدته الحاناً حوالى عشر اغنيات منها «قالولى الناس عنك يا حبيبى «و»سلملى عليه «، «عندى ثقة فيك، ،عندى امل « و»كيفك انت» .
زورونى كل سنة مرة
اهو ده اللى صار، ،احد الاغانى الرائعة لسيد درويش والتى غنتها فيروز فى مصر فى حفل الاهرامات عام 1989 ايام الحرب فى لبنان والتى تعبر كلماتها عن موقفه من الحرب «اهو ده اللى صار وأدى اللى كان، ،مالكش حق تلوم عليه، ،تلوم عليا ازاى يا سيدنا وخير بلدنا ماهوش بإيدنا، مصر يا ام العجايب، ،شعبك اصيل والخصم عايب، خلى بالك م الحبايب، دولا أنصار القضية»، وغنت قبلها «مصر عادت شمسك الذهبى « و»زورونى كل سنة مرة « والتى يعتبرها زياد اغنية ونشيد معا، وفيها طرب لسيد درويش، وهذا نادر على حد قوله، الغريب فى هذا البرنامج ان زياد لم يرفض الاعتراف بفترة القطيعة بينه وبين فيروز،وكيف تم الصلح بينهما بعض ان اضطرّ لإعطاء بعض الألحان التى كان قد لحنها لها لآخرين، وبعد الصلح بينهما غنت له أغنيتها الشهيرة «كيفك انت «والتى كانت تتساءل فيها عن ايام غيابه الطويل عنها وسفره خارج لبنان وعدم معرفتها باخباره «أنا والله كنت بفكرك برات البلاد، ،ويا ترى صار عندك اولاد الخ»، ومن الطريف ما قاله عن الأغنية الأقرب لقلبه ليختار «حبيتك ونسيت النوم «التى كتبها لفيروز شاعر آخر هو جوزيف حرب، اما اغنية «نسم علينا الهوى «فكتبها بعد فراق من احبها متسائلا «ايهما احسن المرأة، ،ام الأغنية عن المرأة ؟؟ «ومفسرا هذا «طبعاانا الحنّ الأغنية بعد ان تفشل العلاقة، لان العلاقة احسن من الأغنية، فاننا كتبت اغانى عن تجارب فاشلة مثل «عندى ثقة فيك « و«حبيتك لنسيت النوم «اكثر اغنية نجحت بعد ان انتهت التجربة »
مؤكدا انه اثناء الحرب تعلم كثيرا من عمله المستمر وبحثه عن مخرج، وقبلها تعلم كثيرا ايضا من ذهابه للمسارح والاستديوهات وهو صغير، فقد رأى تجارب الآخرين وخبراتهم، ومن كل هذا استطاع ان يكتب ما يحبه من كلمات ومعاني، وان يعزف موسيقى الألحان قبل ان تذهب لمن يغنيها، ولا ينسى اغنيات مثل «بكتب اسمك يا حبيبى ع الحور العتيق « و»ع هزيل الغربة « ولا ينسى أبدا الأغنية التى سمعها قبل الحرب «بحبك يا لبنان يا وطنى «، ولتعبر له مقدمة البرنامج عن أمنيتها ان تكون أعماله موجودة فى فترات اقرب وأكثر فيرد عليها ان «المستمع المصرى والشعب المصرى هو مرجع بالنسبة لي، ،لو اللحن ضبط فى مصر ما يهمنى شيء.» لينتهى اللقاء مع كاتب وموسيقى عظيم قدم الكثير جدا للوطن والفن، ورحل مساء الاحد الماضى تاركا لنا ميراث عظيم .