فى صدر الاسلام.. كان التجار سبباً من أسباب انتشار الاسلام فى بلاد الهند والسند والصين.. لأنهم كانوا نموذجاً للأمانة فى البيع والشراء.. وفى بداية الرسالة المحمدية.. كانت هناك النماذج المشرفة فى بذل العطاء بالمال.. امثال عثمان بن عفان الذى جهز جيش العسرة بثلاثمائة بعير وبألف دينار استجابة لنداء رسولنا الكريم عندما قال «من جهز جيش العسرة فله الجنة».. وهو الجيش الذى خاض غزوة «تبوك» اخر غزوات الرسول ضد الرومان.. وامثال ابوبكر الصديق.. الذى انفق كل ماله من التجارة.. ولم يبق شيئاً لأهل بيته.. وعندما سألته ابنته عما تركه قبل الهجرة إلى المدينة.. قال تركت لكم الله ورسوله.. وكذلك الصحابى عبدالرحمن بن عوف الذى انفق ماله فى سبيل الدعوة وترك ما تبقى فى مكة كى يهاجر إلى المدينة.. فاصبح بلا مال.. وعندما وصل مكة.. قال للصحابى الذى استضافه من الانصار.. لست بحاجة إلى العون.. كل ما اريده منك هو ان تدلنى على السوق.. ولأنه تاجر شاطر.. فقد رجع إلى ما كان عليه من الثراء واكثر وكذلك طلخة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن ابى وقاص.. وغيرهم.
اقول ذلك بمناسبة دعوات المقاطعة التى خرجت قبل بضعة ايام لتجار اللحوم والدواجن والاسماك والبيض وغيرها من السلع التى تمت المغالاة فيها بشكل غير مسبوق ولم يعهده المستهلك من قبل.. وقد لاقت اقبالاً كبيراً من الجماهير بكثير من المحافظات والتى حرصت على الاستمرار فى المقاطعة لحين تحقيق كافة الاهداف المرجوة منها.. واهمها عدم المبالغة فى الاسعار والقناعة بهامش ربح مثلما تفعل الدولة من خلال المبادرات الكثيرة التى اطلتقها لتخفيف العبء عن كاهل محدودى الدخل.
صراحة.. المقاطعة بدأت تؤتى ثمارها.. حيث بدأ المستهلك يشعر بخضوع التجار والشركات المنتجة لدعوات المقاطعة حيث انخفضت الكثير من السلع الغذائية بالذات بشكل بدأ يلمسه المواطن.. وان كان ليس بالشكل الكافي، لذا فكان حرص المقاطعين.. على عدم تحديد سقف زمنى للمقاطعة كى لا يراهن التاجر على عامل الوقت.. باخفاء السلعة او بعرض القليل منها كنوعٍ من المناورة.. بعدها تعود «ريمة إلى عادتها القديمة وكأنك يابوزيد ماغزيت» على رأى المثل.. وانا كمستهلك مع استمرار المقاطعة مهما طالت.. طالما الدولة توفر لى كغيرى من المستهلكين البدائل من خلال مبادراتها مثل «تحيا مصر» وامان والمواطن اولاً.. وغيرها ولاقت اقبالاً كبيراً لانها وفرت السلع للمواطن بأسعار منخفضة وصلت إلى اربعين فى المائة.. وكذلك بجودة عالية حرصاً على السلامة الصحية للمستهلكين.
كنت اتمنى ان يحذو التجار والشركات والسلاسل التجارية.. حذو الدولة فى المشاركة فى مبادرات الدولة الممثلة فى الشوادر الثابتة والسيارات المتحركة التى تجوب مختلف المحافظات للوصول إلى المناطق النائية والنجوع.. لتمكين الاهالى من شراء السلع بأسعار مخفضة وهذا لا يعنى ان كافة التجار مستغلون وجشعون فهناك الشرفاء والذين يشعرون بالفقراء وذوى الدخول البسيطة بدليل مشاركتهم فى مبادرات الدولة المعروفة.. ولكن للاسف باعداد قليلة لا تقارن مع الكم الكبير من عدد التجار واصحاب السلاسل التجارية والشركات المنتجة المنتشرة بمختلف انحاء المحروسة.. وكنت اتمنى منهم الوقوف بجانب الدولة فى تلك الظروف الاستثنائية خاصة ان الدولة وفرت لهم كافة الوسائل حتى كبروا وكبرت تجارتهم وكان من المنتظر رد الجميل.
الحقيقة.. على المستهلك ايضا الترشيد فى الانفاق وعدم الشراء إلا لما يحتاجه بالفعل.. خاصة ان الدولة توفر له كافة السلع دون نقصان وعلى مدار العام.. بدليل عدم الشعور لدى المواطنين باختفاء سلعة ما او نقصانها.. فكل شيء وفرته لنا.. وعلينا ألا نرهق الميزانية فى شراء ما لا يلزمنا.. بحجة الخوف من عدم وجودها مستقبلاً.. أو الزيادة فى اسعارها.. لان الدولة حريصة على ضخ المزيد من السلع باستمرار وتوفير البدائل من مزارعها المتنوعة والتى بها كافة خيرات الله.. وبالتالى تؤكد الاحساس بالامان الغذائى للمواطن وان عليه ألا يقوم بتخزين السلع او الشراء دون داع لمجرد الخوف من اختفاء السلعة او ان تكون شحيحة يصعب الحصول عليها.
رحم الله كل من تاجر مع الله فى صدر الاسلام.. كانوا مثالاً للعطاء ولخدمة الاسلام.. وسبباً فى دخول الكثير فى الاسلام طوعية حباً فى امانة التاجر المسلم واخلاقه السمحة فى البيع والشراء، ومرحباً بأى تاجر او صاحب سلاسل تجارية.. يضع يده بيد الدولة وان يقنع بالرزق الحلال والربح البسيط.. كى لا تبور تجارته.. او تفسد لعدم الاقبال عليها من المقاطعين الذين كانت شعاراتهم.. خلوها تعفن.. خلوها تفسد.. خلوها تبور.. خلوها.. خلوها!!!