ينقسم الواجب عند أهل العلم إلى عينى وكفائي، فالعينى هو ما يجب وجوبا عينيا لازما على كل فرض من آحاد الأمة، لا يقوم غيره فيه مقامه، ويمثل له علماء الشريعة بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان, ونحو ذلك، حيث لا يجزئ صيام الأمة كلها عن إفطار من أفطر متعمدا فى رمضان بلا عذر، ولا يغنى عنه صيامها من الله شيئا، وكذا الأمر فى الصلاة والزكاة وحج البيت من استطاع إليه سبيلا .
والواجب الكفائى إذا قام به بعض الناس سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم به أحد أثموا جميعا، وكان الفقهاء يمثلون له باتباع الجنائز, ورد السلام, وتشميت العاطس، ونحو ذلك.
غير أن فهم بعض الناشئة وطلاب العلم قد توقف أو جمد عند بعض الأمور المحصورة فى باب فروض الكفايات، فلم يدركوا إدراكا كافيا أن الواجب الكفائى يتعدى ذلك كله إلى كل ما تقوم به حياة الفرد والمجتمع أو تتوقف عليه، من إطعام الجائع، وكساء العارى ، ومداواة المريض، وإغاثة الملهوف، ونحو ذلك .
وعندما نحاول تطبيق الواجب العينى والكفائى فى حق الوطن بنظرة وطنية ثاقبة نجد أن الواجب العينى يتمثل فى أداء كل شخص للمهمة الوطنية الموكلة إليه بأعلى قدر من الأمانة والكفاءة والإخلاص، وعلى وجه أخص فى الظروف والتحديات الراهنة:
أولا: التعاون فى اجتثاث جذور الإرهاب الأسود الذى يحاول أن يُطل برأسه الخبيثة مرة أخرى يعيث فى الأرض قالا وإفسادا ، غير آبهٍ بما أجمعت عليه الشرائع السماوية من حرمة قتل النفس التى حرم الله «عز وجل» إلا بالحق, بل إن القرآن الكريم قد أكد أنه من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا, حيث يقول الحق سبحانه :» أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا .».
وقد أخرج ابن ماجة والطبرانى عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أن النبى صلى عليه وسلم كان يطوف بالكعبة، فقال: «ما أَطْيَبَكِ، وما أَطْيَبَ رِيحَكِ ؟ ما أعظمَكَ وما أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ. والذى نَفْسُ محمدٍ بيدِهِ لَحُرْمَةُ المُؤْمِنِ عِنْدِ اللهِ أعظمُ حُرْمَةً مِنْكِ؛ مالِهِ ودَمِهِ ،وأنْ نَظُنَّ بهِ إِلَّا خيرًا».
فالواجب الكفائى يقتضى أن تتضافر كل قوى المجتمع فى مواجهة العابثين بأمن الأوطان من أهل الشر.
ثانيا: يأتى دور العلماء والمفكرين والمثقفين والإعلاميين والأكاديميين فى مواجهة الفكر الظلامى الهدام وبيان خطورته على الفرد والمجتمع ، وتفنيد أباطيله وكشف من وراءه، كونه أحد أهم الروافد الأساسية للعمليات الإجرامية الإرهابية، فالإسلام أبعد ما يكون عن رمى الناس بالإفك والبهتان ظلما وزورا بلا دليل ولا برهان أو سفك دمائهم أو النيل من أعراضهم أو أموالهم بغير حق.
ثالثا: ضرورة تفكير كل منا فى كيفية الخروج بالوطن من أزماته ومواجهة تحدياته، والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتى فى مجال الغذاء، والدواء، والكساء، والسلاح، والعتاد، والصناعات الثقيلة.
رابعا: على أهل كل مهنة العمل على تحقيق الكفاية لوطنهم كل فى مجاله وميدانه، وذلك بتنمية روح البذل والعطاء والتطوع, والتضحية فى سبيل الوطن ، والبعد عن الأثرة والأنانية وحب الذات.
خامسا: التوسع فى مجال الحماية الاجتماعية سواء من خلال مؤسسات الدولة المعنية بذلك أم من خلال تكافل أبناء المجتمع وقيام غنيهم بفقيرهم.