لم يكن يوم 23 يوليو يوماً خالداً فى ذاكرة الشعب المصرى فقط بل فى ذاكرة كل شعوب العالم فهو اليوم التاريخى من عام 1952 عندما أعلن عبر الإذاعة المصرية عن قيام الثورة.. واعتبره كثير من المفكرين ورجال السياسة والتاريخ إنه يوم يفصل ما بين تاريخين بالنسبة لشعوب العالم فى ذلك الوقت التى كانت للتو قد خرجت من الحرب العالمية الثانية.. ومصر الدولة التى تحتلها بريطانيا الأمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس فقد غيَّرت الثورة خريطة العالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه.. ومن هنا يقف كتاب التاريخ طويلا عن الثورة التى أحدثت فعلا التغيير فى خريطة على يد ضباط فى مقتبل العمر فى دولة لها مكانها الإستراتيجى وسط عالم يقوده الاستعمار القديم.. فقد أحدثت تغييرا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا وكانت فاتحة للتغيير والتحرر فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.. ومن هنا تركت ثورة يوليو ميراثا ثوريا ليس لمصر فقط بل لكل ثورات العالم الثالث الذى بات بعد يوليو صوتا يستمع له العالم ولدوله التى تحررت من نير الاستعمار.
فى هذا اليوم العظيم الذى نحتفل اليوم الأربعاء بذكراه الـ«73» كتب فيه تاريخ جديد لمصر الدولة التى على أرضها أقدم حضارات العالم ويمر بها النهر الخالد «النيل» الذى ارتبطت به فى علاقة حياة ووجود.. ثارت على حكم حول الشعب إلى عبيد ففى ذهن الضباط الأحرار ليلة 23 يوليو أطول ليلة فى تاريخ مصر وأشرق فجرها على ميلاد جديد لجمهورية الثورة.. فقد كان فى ذهن الضباط الشباب يوم الثورة ما قاله الخديو توفيق إلى الزعيم أحمد عرابى «إن أنتم إلا عبيد احساناتنا» ورد عليه جملته التاريخية «لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا» وبعد عرابى جرت مياه كثيرة فى نهر الحركة الوطنية المصرية بزعامات تاريخية وقيادات فكرية بينها مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وغيرهم إلى أن وصلت إلى حرب 48 وفضيحة الأسلحة الفاسدة وفساد القصر وسيطرة المندوب السامى وإملاءاته على الحاكم الملك فاروق.. ولم يقف على الضباط الأحرار تغيير الوزارات بين الليل والمساء وبينها أقصر وزارة فى تاريخ مصر قبل الثورة بـ20 ساعة.. الأجواء كلها كانت تعكس واقعا سياسيا معيبا ووضع اقتصادى واجتماعى فى تدهور وتخلف فى كل أركان الدولة وأدائها.. ولم يكن ضباط جيشنا البطل بعيدين عن هذه الأحداث وما تعانيه الدولة.
ونجح أبناء القوات المسلحة فى التخطيط للخلاص من الفساد وكونوا مجموعة الضباط قاموا بالثورة التى سميت بـ»الحركة المباركة» أولا وبعد فترة اطلق عليها «الثورة».
الغرب الذى فوجئ بالثورة لم يصدق عندما سمع بيانها الأول بصوت أحد أبنائها الذى كلفه مفجرها جمال عبدالناصر بإلقائه بالاذاعة ليعرف العالم ان هناك تغييرا حدث فى مصر وقرأ أنور السادات ثالث رؤساء مصر بعد الثورة البيان التالي:
من اللواء أركان حرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة إلى الشعب المصري:
اجتازت مصر فترة عصيبة من تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون فى هزيمتنا فى حرب فلسطين.. وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها.. وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا فى داخل الجيش رجال نثق فى قدرتهم وفى خلقهم وفى وطنيتهم ولابد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.. أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم فى الوقت المناسب.
وما بين يوليو 52 ويوليو 2025 أحداث كثيرة مرت بهذا الوطن العزيز ومحطات سياسية وعسكرية واجتماعية وثقافية عاشها المواطن ومعارك تنموية وعسكرية خاضها الوطن فى رحلة بناء الدولة وحماية مقدراتها وكان أول امتحان للثورة هو تأميم قناة السويس وصولاً إلى ما تواجهه الدولة اليوم وهو أخطر تحديات فى تاريخها.
وكما ان ثورة 23 يوليو لها رباط مقدس مع ثورة 30 يونيو فالأولى قام بها الضباط الأحرار وحماها الشعب فى اليوم التالى بعد ان استمع من الإذاعة لبيانها الأول الذى ألقاه الرئيس أنور السادات.. أيضا ثورة 30 يونيو التى قامت بعد 315 يوما أسود فى السنة التى حكم فيها الإخوان لم يتحمل الشعب خداعهم وكذبهم ففجر ثورته الشعبية بملايينها فى 30 يونيو ليكون أيضا يوما خالدا يعيد فيه مصر للمصريين انتشروا فى الشوارع حاملين صور الرئيس جمال عبدالناصر ووزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسى «بزيه العسكري» فى رمزية واضحة تعكس تلاحم الشعب مع قواته المسلحة وكان يعنى انه لابد من الخلاص.
فقد كانت معركة عبدالناصر الأولى مع الإخوان وخياناتهم ومحاولة اغتياله فى حادث المنشية الشهير.. وعندما تولوا الحكم جاءت 30 يونيو لطردهم بفاشيتهم.. ثورة 30 يونيو قام بها الشعب وحماها الجيش وهنا تتكامل الثورة مع ثورة يوليو الخالدة و30 ويونيو العظيمة فكلاهما أعادا مصر إلى الشعب.. الأولى من أسرة حكمت مصر 148 عاما والثانية من فترة فاشية حكمت 315 يوما وكلتاهما ثورتا يوليو ويونيو تؤكدان شعبنا العظيم بما يملك من عراقة وجسارة لا يقبل ان يخضع لقوة مهما كانت هذه القوة ولا يقبل أن يلوث رمال أرضها طامع ومحتل مغتصب.. وكما قال للمحتل لا بعد 75عاما قال للجماعة الإرهابية لا مكان لحكم بيننا فى حكم الوطن.. وهنا نجد ان جيش مصر الذى قدم لنا الرئيس جمال عبدالناصر ومجموعة الضباط الأحرار فى يوليو 1952 قدم أيضا لمصر بعد 30 يونيو الرئيس عبدالفتاح السيسى ليعيد مصر للمصريين وفى الحالتين يوليو ويونيو كان القاسم بين الوطنية المصرية «قواتها المسلحة» التى لبت نداء الوطن حمت الثورة الأم يوليو حمت الثورة العظيمة فى يونيو.. والثورتان تؤكدان بما لا يدع مجالا للشك أن الجماعة الإرهابية كانت تمثل الثورة المضادة فى مصر ورأيناها فى أحداث 54 و64وظهور الإرهابيين والقطبيين والتكفيريين ومع 30 يونيو وجدنا كيف تتحرك هذه الجماعة بأذرعتها المختلفة وتحالفاتها المسمومة ضد مصر والاستعانة بالخارج وها هى برغم اكتشاف خيانتها وضلالها من أول مرشد ضال حسن البنا إلى بديع كلهم لسانهم واحد يتشدقون بالإسلام والإسلام منهم براء ويتحالفون مع الشيطان من أجل كرسى الحكم.
والرباط المقدس بين الثورتين يعنى أنها ثورة ضد النسيان ومتواصلة ومجددة مع آمال المصريين وطموحاتهم قلما وقعت ثورة يوليو عبدالناصر مع حركات التحرر الأفريقية ودول العالم الثالث.. ربما اليوم كالبارحة ها هى مصر- السيسى تعيد أفريقيا التى تجذرت حركات التحرر بها تيمنا بالثورة المصرية إلى مصر وتعيدها كظهر إستراتيجى تنموى وكما ساهمت الثورة 23 يوليو بقيادة عبدالناصر فى بناء إفريقيا المستقلة من الاستعمار تساهم مصر 30 يونيو بقيادة الرئيس السيسى فى التنمية والبناء فى أفريقيا فهاهو المشاركة المصرية الواضحة فى التنمية والعراقة وبناء سد جوليوس نيريرى بتنزانيا.
وكما يقول المؤرخون ان مصر تمكنت مع ثورة 1952 فى تعميق مفهوم السيادة الوطنية فإن 30 يونيو ساهمت بشكل واضح فى الدفاع عن الدولة الوطنية أمام مؤامرات إسقاط الجيوش فكما هزمت مصر- عبدالناصر الاستعمار القديم بكل تبعاته.. مصر- السيسى أنقذت مصر من أخطر المؤامرات وهو إسقاط جيشها الذى ساند الثورتين.
وعندما نقف عند محطات معينة فى تاريخ ثورة يوليو نقف عند دور الثورة فى قرارات الإصلاح الزراعى فى 9 سبتمبر 1953 بعد أقل من 45 يوما وتم توزيع 980 ألف فدان من الثروة الزراعية على المزارعين ممن لا يملكون أرضا ليستعيد فيها عدد ليس قليلا من الأسر المصرية مع صرف التعويضات لملاك الأراضى بحسب أول وزارة بعد الثورة وكانت تضم 11 وزيرا برئاسة على ماهر ثم تولى بعد ذلك رئاسة الوزارة اللواء محمد نجيب قبل أن يتولى الرئيس جمال عبدالناصر أول وزارة يترأسها وهو رقم 73 فى فبراير 1954 وقفز عدد الوزراء إلى 20 وزيرا واستمر العدد فى ازدياد وشهدت بعد ذلك دخول أول سيدة للوزارة وهى الوزيرة حكمت أبوزيد.
ومن واقع تجربة أعضاء قيادة الثورة كان بناء جيش قوى هدف أساسى حتمية أهدافها السند وجاءت أول صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا وهى صفقة رعاها الاتحاد السوفيتى السابق وتم إبرامها مع مصر وكانت أول خطوات الاتجاه شرقا لأن الغرب كان يعارض بناء جيش قوي.
وجاءت دولة 30 يونيو بقيادة الرئيس السيسى لتعيد بناء الجيش المصرى وقدراته ليصبح رقما صعباً فى المعادلة العالمية وقوة ردع حامية للوطن وفرض إرادته.
وإذا كانت دولة 23 يوليو واجهت تحديات صعبة واخطرها كانت نكسة 67 خرجت منها الثورة ببناء الجيش وحرب الاستنزاف حتى عام 1970 وبعدها وصلت مع جيل أكتوبر.
ففى دولة 30 يونيو نعيش تجربة مصر- السيسى فى المنطقة المتوترة تواجه تحديات ليست ببعيدة عن تحديات الثورة.. مصر الآن تحمى القضية وتقف ضد تصفيتها باللاءات التى أعلنت فى مؤتمر القاهرة للسلام أمام الحضور الدولى الواسع لا تهجير قسريا أو طوعيا ولا حل على حساب دول أخرى كما رفضت المدنية اللاانسانية التى تعلن عنها إسرائيل باسم مخادع «المدينة الإنسانية» وكما قدمت مصر مئات الآلاف من الشهداء تقدم اليوم المساعدات لأبناء فلسطين وسط هذه الأجواء المتوترة والظروف التى يمر بها العالم.. إن مبادئ 23 يوليو وثورة 30يونيو مستمرة تعكس صورة دولة لها ثوابت وتواجه التحديات والمؤامرات وها نحن نعيش نفس الأجواء بعد 73 عاما من قيامها.. فى تأكيد ان الوطنية المصرية والإرادة التى ولدت مع ثورة يوليو مستندة إلى تاريخ نضالى طويل لأبناء مصر الشرفاء تواصل بشرف ووطنية ثوابتها مع الرئيس عبدالفتاح السيسى تواجه التحديات بإرادة وعزيمة شعب يساند قيادته فقد كان الشعب الذى ساند يوليو أبناؤه وأحفاده يساندون ثورة 30 يونيو فى مسيرة مستمرة فالثورتان جزء من تاريخ مصر الذى لا يمكن للأجيال نسيانه.