بعد ما ذكرته وكالة «فيتش « بأن السياحة المصرية ستتأثر بما يجرى فى غزة وتأثيرات تصاعد الموقف بين إيران وإسرائيل.. تأتينا أخبار أخرى من ألمانيا يعكس هذا تماما.. وتجعلنا نتفاءل بأننا سنجتاز هذه الفترة.. ويتواصل النمو السياحى فى عام 2024 ونتغلب بذلك على ما يقال أحيانا من أن السياحة المصرية غير محظوظة.. أو لنقل بلغة اهلنا الطيبين «محسودة «..
ولكن السياحة المصرية كانت دائما صامدة ونتجاوز الصدمات حتى وان بدت صعبه فى احيان كثيرة.. كما حدث بعد تحقيقنا عام الذروة عام 2010 واقتربنا من رقم 15 مليون سائح وتحقيق دخل 12.9 مليار دولار.. ثم جاءت احداث يناير 2011 لتؤثر تأثيرا بالغا على الحركة السياحية.. ولكن السياحة المصرية صمدت.. وحققت نموا متصاعد حتى وصلنا الى ارقام جيدة فى عام 2015.. ثم جاء حادث ارهابى ليؤثر أيضا على العودة للسياحة التى كانت مبشرة.. فتبدأ مرحلة جديدة من الصمود والعمل الدءوب.. بما يؤدى الى ازدياد الحركة السياحية ثانية.. ثم يأتى وباء الكورونا ويتوقف كل شيء فى العالم.. ولكننا مع بداية الانفراجة فى قيود الكورونا نتخلص من اثارها وتتزايد الحركة.. ثم يفاجأ العالم بالحرب الروسية الاوكرانية.. فنتأثر من جديد خاصة من هذين البلدين.. ولكن الصمود الذى هو طابع السياحة المصرية يجعلنا نصل الى ارقام سياحية جيدة 2023.. نتجاوز فيه ارقام عام الذروة.. ونزيد عنها بمائتى الف سائح.. رغم تأثرنا بعدوان اسرائيل على غزة..
مرة اخري.. مع الموقف الصعب فى غزة نجد موقفا اضافيا يحدث فى البحر الاحمر بصواريخ الحوثيين.. ثم الصراع الاسرائيلى الايراني.. ولعل هذا كله ما دفع « فيتش « الى التنبؤ بتأثر السياحة المصرية ..
ولكننا نتفاءل مع المتفائلين.. خاصة بعد مانشر من تصريحات لاتحاد وكالات السفر والسياحة الالمانى «DRV».. بأن مصر مازالت مقصدا سياحيا جذابا للسياح الالمان.. كما ان السوق الروسى هو الاخر يتصاعد.. رغم الحرب الروسية الاوكرانية.. ويسير بسرعة لاستعادة حجمه قبل عام 2015 الذى جاوز فيه عدد السياح الروس الينا ثلاثة ملايين سائح..
يرى فورستن استيفر المتحدث بأسم اتحاد وكالات السياحة الالمانية ان حركة السياحة الى مصر لم ولن تتأثر وانها تجد اقبالا من السياح الالمان.. وانه يرونها افضل الوجهات اليهم شتاء وصيفا.. ولهذا اقول لعل هذه التنبؤات الالمانية تعطل نظرية السياحة المحسودة.. ويتواصل انتعاشها فى عام 2024 باذن الله..
مرة أخرى: السياحة المفرطة
بقدر ما تسعى دول العالم كلها لمزيد من الحركة السياحية إليها.. بقدر ما أصبحت بعض الدول تؤرقها بعض جوانب هذه السياحة.. خاصة عندما تتجه إلى مقصد سياحى واحد.. أو تهتم بمدينة واحدة دون باقى مدن ومقاصد الدولة.. أو تهدد موقعا اثريا بآثارها السلبية.. وهو ما يسمونه السياحة المفرطة..
وليس هناك تناقض بين زيادة الحركة السياحية.. وبين الرغبة فى عدم الوقوع فى شرك ما يسمونه السياحة المفرطة حين تجد دولة ما أن مواقعها الأثرية أو السياحية أصبحت تتأثر سلبا بازدحام السياح ..
واقرب نموذج لهذا فى مصر خشيتنا على تأثر الشعاب المرجانية فى البحر الاحمر من كثافة الغوص والغواصين.. خاصة عندما تكون هناك تصرفات غير مسؤلة.. مثل كسر الشعاب المرجانية.. أو الاقتراب من اسماك القرش ومحاولة تقديم أطعمة لها.. مما يحدث تغيرا فى الأنماط الغذائية لهذه الأسماك.. ويدفع بعضها احيانا الى الخروج من الاعماق الى الشواطئ القريبة..
نموذج آخر للسياحة المفرطة أشرنا إليه فى مقالنا السابق.. وهو زيادة أعداد الزائرين لمتاحفنا ومواقعنا الأثرية خاصة فى الأقصر.. وما ينجم عن الزحام الشديد.. خاصة فى المقابر المنحوتة فى جبال الضفة الغربية.. وتحتوى نقوشا بالغة الروعة بألوان احتفظت برونقها لآلاف السنين..
والخوف هنا من ان تؤدى كثرة الزائرين وازدحامهم فى وقت واحد من تأثر النقوش وألوانها سوء باللمس او من بخار الماء الناتج عن تنفس الزائرين.. ما جعل البعض يحذر من احتمال ان نفقد هذا كله.. خلال مائة عام.. وهو امر ينبغى ان نتحسب له بإجراءات عديدة منها تنظيم الزيارة على افواج صغيرة.. والتفكيرفى اقامة نماذج لأهم هذه المقابر.. وعلينا أن نبحث فى تحديد عدد الداخلين لكل مقبرة وفترة بقائهم داخلها.. وتحديد ساعات الزيارة.. وتحديد ايام معينة للزيارة مع زيادة رسوم الزيارة للمقابر الهامة..
هذا نموذج واضح لآثار السياحة المفرطة لدينا.. ونشير الى بعض ماتفعله الدول الاخرى لمواجهة هذه السياحة المفرطة.. وقد ذكرنا من قبل نموذج امستردام.. ولكن هناك نماذج عديدة غير امستردام.. منها على سبيل المثال مدينة فينسيا الايطالية.. والتى تشكو من زيادة السياح اليها.. لهذا اتخذت هى ومدينة فلورنسا الايطالية عدة اجراءات بينها فرض ضريبة على زوار اليوم الواحد.. وكذلك منع السفن السياحية الكبيرة وابتداء من شهر مايو الحالى تمنع المجموعات السياحية المكونة من 25 فردا او اكثر من السير فى شوارع المدينة الضيقة..
باريس أيضا ضاعفت الضرائب على الوافدين إليها.. لتشجيع الزائرين على التوجه اماكن اخرى فيفرنسا.. اليونان ايضا حددت عدد زوار الاكروبوليس فى أثينا.. كرواتيا حددت كذلك عدد زوار البلدة القديمة فيدبروفينك حرصا عليها.. لشبونة فرضت ضريبة جديدة على ركاب السفن السياحية..
هذه الاجراءات كلها لا تهدف الى منع السياحة.. إنما ترشيدها وإعادة توجيهها إلى أماكن أخرى داخل الدولة لتفادى الآثار السلبية للسياحة المفرطة.. وعلينا ألا ننتظر حتى تتفاقم هذه الآثار لدينا..