قيمة مسلسل «مملكة الحرير» أن يأخذ المتفرج إلى قلب العمل لكى يفكر فى كل كلمة وكل لقطة وكل جملة، ويحاول تفسيرها أو إسقاطها على أمور تدور أمامنا أو دارت بشكل أو بآخر فى عصرنا الحالي، ثم ان هذه النوعية تأخذنا إلى أجواء بعيدة عن مسلسلات يأتى بها العنف مجافياً وزائداً عن الحاجة، بينما الصواريخ تنقل عابرة لأجواء الدول، ومشاهد القتل تتوالى بلا رحمة حتى تبلدت مشاعرنا تجاه مناظر الدم وقد ألفناها صباحاً ومساء فى نشرات الأخبار.
دعك من الإشارة التى تسبق المسلسل بأنه عمل خيالى لا علاقة له بالواقع، فهى لمجرد إبراء الذمة ليس إلا.. لكن هذا الخيال ما هو ببعيد عنا والمتفرج الذكى سوف يضع يده على الأحداث ويقارن وهذا حقه، وهذه قيمة العمل الذى يندرج فنياً تحت مسمى مسلسل للمولف والمخرج على غرار ما سبقته السينما الفرنسية أولاً ثم وجدناها مع أكثر من مخرج مصرى يفضل أن يكتب أفلامه بنفسه أو يتشارك مع المؤلف مثلما اعتاد المخرج الكبير صلاح أبوسيف فى أغلب أفلامه، ولكنه لم ينفرد بالتأليف والإخراج.. وبيتر ميمى فى «مملكة الحرير» ومن خلال العناوين نعرف أنه الكاتب والمخرج، ثم نجد بعد ذلك أن المؤلف أحمد حسنى قد شاركه فى العمل، والمخرج هنا يكتب وعينه على الكاميرا وأسلوب تنفيذ كل مشهد.
فتش معي
لابد وأن هناك فكرة أراد بيتر أن يقدمها، هو يقول ما يريد وكما يريد ونحن نشاهد ونرى بعين أخري، ولولا أن العمل فيه من الجهد والجدية ما جذب الاهتمام إلى هذا الحد، والجمهور بهذا يعلن عن شوقه واحتياجه إلى أعمال تخاطب عقله، وفيها حدوتة وتسلية، ولا بأس من ذلك أبداً لأن الفن ليس بياناً فى نشرة أخبار.
وإذا كانت شطارة المخرج تبدو واضحة فى مشاهد المسلسل، فإن اختياره لطاقم العمل جزء لا ينفصل أبداً عن إبداعه فى الكتابة والتنفيذ.. وأبطال المسلسل جميعاً تم تسكينهم فى أدوارهم بعناية وكانوا على المستوي.. المدهش «كريم الثاني» أو كريم محمود عبدالعزيز يراهن على حضوره كممثل بعيداً عن الأعمال الخفيفة والأدوار العادية، وإن كانت بوادر تمرده على هذه النوعية ورغبته فى الارتقاء، بدت واضحة فى مسلسل «خالد نور» رغم كونه من الأعمال الكوميدية، حيث كشف عن أبعاد جديدة كممثل لا يمكن استنفارها إلا إذا كانت الأدوار مكتوبة جيداً، وهنا يكون تحدى الفنان لنفسه.. وكريم بهذا الدور يقفز خطوات كبيرة بين أبناء جيله، ومعه فى المسلسل المصرية الخالصة أسماء أبواليزيد بدون مواد حافظة أو تماحيك النفخ والشفط الزائدة، التى تحول الوجوه كلها إلى قالب متكرر لا تستطيع بسهولة أن تفرق بين هذه وتلك.. وقد صنعت لنفسها فى زمن بسيط شخصية فنية جديرة بالاهتمام، وعليها أن تحافظ على ذلك، خاصة بعد هذا المسلسل لأن الدور فيه تنوع درامي، الأمر الذى منحها الفرصة أكثر للتجويد.. ويأتى المتوهج أحمد غزى لكى يؤكد أن نجاحه فى «قهوة المحطة» لم يكن وليد الصدفة، والفضل للعمل المكتوب جيداً بتوقيع عبدالرحيم كمال، وهذا ما يعود بنا إلى ضرورة العودة إلى النصوص المكتوبة بحرفية، لأن الممثل مهما كانت قدراته وجماهيريته لا يمكن أن يبدع فى دور سطحى مكرر لا جديد فيه وتكون النتيجة أداء نمطياً.
10 كفاية
لأن هذه النوعية من الأعمال التاريخية، تحتاج جهداً أكبر فى كل لقطة وليس فى كل مشهد، يصبح لزاماً على المخرج الاستعانة بعناصر استثنائية فى المونتاج والديكور والموسيقى والإنتاج والتصوير والصوت.. ونجوم كل مشهد خلف الكاميرا هم حسين عسر، سارى هاني، طارق علاش، أحمد حمدي، وربما يستغرب القارئ كيف لكاتب السطور أن يشطح فى عناصر العمل ولا يقف أمام القصة؟!.. والإجابة بسيطة، إنها حكاية سبق طرحها فى مئات الأعمال، ثم ان واجبى أن أكلمك فيما وراء قصة أنت تابعتها وعرفتها وليس هناك ما يدعو إلى تكرارها وإعادتها عليك مرة أخري، لأن الأهم أن أقول لك ماذا فعل فريق العمل فى تقديم الحكاية، وكيف ظهرت على النحو الذى نال إعجابنا، وهو ما يجعلنى مرة أخرى أتساءل ما الذى يمنع فى ظل هذه الطاقات الفنية المبدعة باستخدام الملابس والأضواء والتصوير والديكور والموسيقى والتمثيل أن نجدد الاهتمام بالدراما التاريخية الدينية.. وغير صحيح أنها لا تربح، وقد قلت من قبل إن مسلسل «يوسف الصديق» على سبيل المثال جرى إنتاجه بتكلفة بلغت نحو 7 ملايين دولار عام 2008، ومازال يُعرض حتى وقتنا الحالى وتكنولوجيا الترجمة ما أسهلها، وحقق العمل عشرات الأضعاف من الأرباح بخلاف قيمته الفنية، وإن كنت أتحفظ على ظهور الأنبياء عليهم السلام وهناك وسائل للتحايل على ذلك وراجعوا فيلم «الرسالة» للعالمى مصطفى العقاد.
بيتر كمان وكمان
هل لجوء بيتر ميمى إلى الكتابة سواء فى «مملكة الحرير» أو فيلمه «مشروع X»، يعنى أنه لا يجد النص الذى يلبى طموحاته الفنية؟!.. وبصرف النظر عن نواياه وليس من حقنا أن نفتش فيها، لكن ظهور «مملكة الحرير» بهذا المستوى الفنى الجيد وفى حلقات مكثفة لا تزيد على 10، يجعلنا نقول له استمر، والأكيد أنه يفكر فى تكملة الصراع على عرش مملكة الحرير، ولا يمكن المرور بشكل عابر أمام الكبار الذين زينوا العمل، سلوى عثمان، حسن العدل، عمرو عبدالجليل، يوسف إسماعيل، ماجدة منير، محمود البزاوي، محمود السراج، وليد فواز.
والوجوه الشابة سارة التونسي، سارة بركة، يوسف عمر، نورا مهدي، ولولا وجود الإنتاج الفاهم المغامر بحساب، ما ظهر مثل هذا المسلسل الذى يكفيه فقط أن ننظر حولنا فى المنطقة، ثم نقول له: لعبتها صح يا بيتر.