تجمع كل دراسات الإدارة الصحفية على أن التوزيع هو الذى يمنح أى صحيفة شرعية الوجود ومبررات البقاء. وفلسفة التوزيع تكمن فى الوصول للقارئ أيًا كان موقعه وسماته، وهو ما طورت مفهومه فى رسالتى للدكتوراة عن: “أثر التحول الرقمى على إدارة وتمويل الصحف المصرية”، فالتوزيع فى الصحافة الورقية يعادله عدد الزوار أو الـtraffic الحقيقى فى الصحافة الإلكترونية.
العمل الصحفى يستمد شرعيته من القارئ، وقد أكد ذلك الدكتور صليب بطرس قبل أكثر من نصف قرن فى كتابه المرجعى “إدارة الصحف – 1974″ بقوله: إنه إذا كانت قلة من الصحف تمكنت أن تعيش فترة من الزمن دون أن تكون لها حصيلة إعلانية، فمن الصعب أن تبقى صحيفة بالسوق دون أن يكون لها توزيع، فهو الدعامة الأساسية لأى صحيفة تريد البقاء”.
وأوضح الدكتور حسن توفيق حسن أن رقم التوزيع لا يعتبر مؤشرًا لنفوذ الصحيفة فحسب، ولكنه يعد أهم مقياس لقيمتها من حيث هى صحيفة يُراد لها البقاء. (مجلة المدير العربى، العدد 143، يوليو 1998).
ورصدت دراسة لمركز “pew” الأمريكى لبحوث الصحافة -2013 – تبانيًا فى توزيع الصحف المطبوعة من مكان لآخر حول العالم، وحددت عددًا من العوامل التى تقف وراء ذلك مثل الارتفاع فى معرفة القراءة والكتابة، وزيادة الدخل والانخفاض النسبى فى معدل انتشار الانترنت، حيث أدت هذه العوامل وغيرها إلى زيادة عدد القراء المحتملين للصحافة المطبوعة، إضافة إلى عوامل أخرى مثل: الديمقراطية السياسية والتحرير الاقتصادى والإعانات الحكومية وزيادة الاعتماد على عائدات التوزيع بدلًا من الإعلانات.

دارت فى تفكيرى كل هذه الأفكار لدى حضورى حفل توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة الوطنية للصحافة برئاسة المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس الهيئة، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة برئاسة جمال بن حويرب المدير التنفيذى للمؤسسة، وحضور وفد المؤسسة: شمسة البلوشى مدير إدارة الشركات، وسالم العويس مدير إدارة المعرفة، وسعيد عبده مستشار النشر. بالإضافة إلى زملائى أعضاء الهيئة الوطنية للصحافة ورؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف المصرية.
حيث أعقب التوقيع نقاشًا علميًا ثريًا حول التحديات التى تواجه صناعة الصحافة والثقافة بشكل عام فى ظل تحديات العصر الرقمى الجديد.
أكثر ما لفت نظرى ذلك التقدير الكبير الذى تحظى به صحافة مصر فى محيطها العربى حيث أوضح جمال بن حويرب أن المؤسسات الصحفية المصرية تمثل كنزًا معرفيًا رهيبًا، مشيرًا إلى ما تملكه مؤسسة “دار الهلال” من أرشيف صور يتجاوز الـ 2 مليون صورة، وأيضًا مؤسسة “الأهرام” التى سبق أو وصفها المهندس عبدالصاديق الشوربجى بأنها “قاطرة الصحافة المصرية والعربية”.

كلمات جمال بن حويرب كشفت عن امتلاكه ثقافة علمية طبية ظهرت على مفردات حديثه، حيث أوضح أن هرمون “دوبامين” هو الذى يتحكم فى حركة كل السلع والمنتجات ومن بينها الصحافة كمنتج معرفى، فالدوبامين ناقل عصبى ومادة كيميائية تلعب دورًا هامًا فى حياة الإنسان ويؤثر على مجموعة واسعة من الوظئاف بما فى ذلك المزاج التحفير والذاكرة والحركة.
وأوضح أن الـ “دوبامين” كان يتحقق من الصحيفة الورقية فى الماضى، والمطلوب حاليًا دراسة نفسية على الجمهور الجديد للصحف، خاصة أن نحو 70% من الشعب المصرى ينتمى لفئة الشباب. ومن هنا يجب أن نعيد الـ “دوبامين” مرة أخرى للشباب المصرى والعربى لكى يعود ويقرأ ويستفيد.
وأضاف: معظم الأخبار المنشور على سبكات التواصل الاجتماعى “مفبركة”، أما الأخبار المنشورة فى الصحف الوطنية (ويقصد القومية والمعتمدة رسميًا) فهى أخبار موثوقة. ومن الطبيعى أن القارئ أو الباحث يفضل التعامل مع الخبر الموثوق به.

ومن جانبه تحدث المهندس عبدالصادق الشوربجى عن الدور الذى تقوم به الهيئة الوطنية للصحافة للنهوض بالصحافة المصرية من خلال إشرافها على إدارة وتطوير المؤسسات الصحفية القومية.
المؤكد أن الدور الذى تقوم به الهيئة بقيادة المهندس عبدالصادق الشوربجى ومذكرة التفاهم مع مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة يعد عنوانًا لمرحلة جديدة تواصل فيها الهيئة الوطنية للصحافة مسيرتها فى الحفاظ على واحد من أهم الكنوز المعرفية التى تملكها مصر، وهى مؤسساتها الصحفية القومية.