عندما ألقى الكاتب والروائى ديفيد فوستر والاس خطاب التخرج فى عام 2005 استهل خطابه بهذه القصة شديدة العمق والتى توحى بميلاد كاتب عبقرى نال بعدها شهرة واسعة بلغت الآفاق. قال والاس أمام حشد من النخب فى جامعة كينيون، بينما كانت سمكتان يافعتان تسبحان معا التقتا بسمكة مسنة تسبح فى الجانب الآخر، فأومأت لهما برأسها وقالت: صباح الخير كيف حال المياه اليوم؟ فسبحت السمكتان قليلا، ثم نظرت إحداهما إلى الأخرى وقالت لها: ماذا تقصد بالمياه بحق السماء؟ يشرح والاس المغزى والمقصد قائلا: يتمثل المغزى الأساسى لهذه الرواية فى صعوبة رؤية الحقائق والمسلمات والبديهيات المطلقة ومنحها القدر الوافر من الاهتمام بالبحث والحديث، هذه الفكرة اعتمد عليها عملاق التكنولوجيا فى العالم ومؤسس وصاحب مايكروسوفت بيل جيتس وهو يتحدث عن الاحتباس الحرارى بسبب الوقود الاحفوري، لكننى هنا استخدمها فى إطارها العام بعيداً عن التخصيص والتنصيص، فما يواجهه العالم الآن من أزمات اقتصادية ومناخية وسياسية مركبة ومتضافرة ومتزامنة لأول مرة فى التاريخ، حتى باتت مسلمات على المستوى النخبوي، لكن على المستوى الشعبوى هناك صعوبة فى رؤية الحقائق والعناوين الكبيرة، لذلك نجد الغالبية منهمكة ومصرة على البقاء فى دنيا التفاصيل المرتبطة بالعرض وليس المرض بالظواهر وليس أصول الأشياء، وهناك فصيل من النخبة استطاع بمهارة العقارب محاولة إخفاء بعض سطور الحقيقة لطمس المسببات الحقيقية فيما نحن فيه، حاول البعض تسييس تلك المسببات ووضعها فى أطر شديدة الضيق لإحداث حالة من السخط وعدم الرضا تجاه الحكومات! ففى بلد مثل مصر نجد مئات بل آلافا من المشروعات التى تمثل تشييدا لدولة جديدة وهذه مسلمة واضحة وضوح الشمس، لكن هناك من قفز فوق الحقائق وغاص فى تفاصيل مشوهة للصورة الحقيقية المجردة، الخلاصة إننا فى إطار عمل بشرى يصيب ويخطئ ومن ثم وجب علينا أن نمارس قدراً من الموضوعية فى التأييد أو التنديد، لكن العقل والحكمة والأمانة والتجرد وعصيان الهوى لابد أن تكون بضاعة حاضرة أثناء ممارسة الحقوق.. حقوق المؤيدين وحقوق المعارضين، لكننى أرى تنحية للعقل وغيابا للحكمة وحضورا مؤثرا للهوى والمكايدة فى صفوف من يصفون أنفسهم بالمعارضة مما خلق جواً من البغضاء والكراهية، فى كل الاحوال أرى هؤلاء يرددون دائما بحق السماء: ماذا تقصدون بالتحديات؟ بحق السماء.. أين المشروعات الكبري؟ بحق السماء ماذا تقصدون بالدولة؟