اقترب للناس انتخابهم، والصراع يحتدم حول البلاد، من كافة الاتجاهات، دول تحاول إثبات أنها الأقوى، وأخرى تمزقها الأزمات الداخلية، وهنا ما عاد لقوة السلاح مكان، بل أصبح التغيير بالصوت، نعم، بصوتك الذى تضعه فى صندوق الانتخابات، والذى يحمل فى داخله أمل أسرتك، وكرامة مجتمعك، ومستقبل وطنك.. المشاركة فى الانتخابات النيابية ليست مجرد واجب دستورى، بل هى صرخة حرة تقول «أنا هنا.. أريد التغيير.. واستحق الأفضل» هى تعبير مشروع عن الحق فى الحلم، فى الكرامة، والعدل، وفى اختيار من يحمل صوتك إلى قبة البرلمان، فهل يعقل أن تترك هذا الحق يسرق بصمتك؟
التخلى التطوعى عن أقوى أدوات التأثير، لا يؤدى إلا لاستمرار السياسات التقليدية التى نرفضها، تلك السياسات التى لا تعبر عن الإرادة الجمعية للمواطنين، وهو ما يزيد الفجوة بين المواطن وحكومته، فلم نترك وسيلة التغيير السلمية؟
وفقا للاتحاد البرلمانى الدولى (IPU) فإن الدول التى تتجاوز فيها نسب المشاركة 60 ٪ غالبا ما تنتج برلمانات أكثر تنوعا واستقلالا وكفاءة مقارنة بتلك التى تسجل نسب مشاركة متدنية.
الانصياع لمن يردد ان القوائم المغلقة حسمت الانتخابات، هو أمر غير منطقى، فلا يزال الأمر بيد الشعب، فأنت وحدك من سيحدد الفائز بالمقاعد الفردية، كما تحدد نجاح القائمة من عدمه، التغيير يبدأ من «الدوائر الفردية» حيث يمكن الدفع بمرشحين من خارج النخب التقليدية، خاصة مع ارتفاع الوعى المجتمعى باستخدام أدوات التواصل الاجتماعى، واستغلالها الأمثل فى تنظيم الحملات.
العزوف عن المشاركة – فى بلدان شهدت العزوف – أبرز ملامحه هو إصدار قوانين تخدم مصالح ضيقة لطبقات بعينها، وربما تهدد أمان باقى المجتمع.
فى عام 1994 شهدت جنوب أفريقيا أول انتخابات ديمقراطية بمشاركة كافة المواطنين، بعد عقود من نظام الفصل العنصرى «الأبارتايد» كانت مشاركة واسعة وغير مسبوقة، فاز فيها حزب المؤتمر الوطنى، وأحدث تحولاً تاريخياً أعاد بناء المجتمع على أسس المساواة والعدل بعد عقود من القهر العرقى، ولولا الإقبال الشعبى لما كان ممكنا تفكيك العنصرية بطريقة سلمية.
فى السويد – المعروفة برغد الحياة – تبلغ نسبة المشاركة البرلمانية 87 ٪ منذ التسعينيات، بحسب هيئة الإحصاء السويدية، هذه المشاركة تنعكس فى تمثيل واسع لمختلف طبقات المجتمع وفئاته، من نساء وشباب وأقليات، فيستمر البرلمان فى ممارسة دوره الرقابى الفاعل، وفى إقرار قوانين ترفع من جودة الحياة والتعليم والرعاية الصحية، مما جعل السويد ضمن البلدان الأعلى فى مؤشرات الشفافية والسعادة والتنمية البشرية.
فلتستخدم صوتك، لا لتمنح الشرعية لمن يستحق، بل لتصنع التغيير الذى تستحقه، فالمشاركة ليست ترفا سياسيا، بل واجب وطنى ولتؤمن أن التغيير يبدأ من صناديق الاقتراع لا من مقاعد المتفرجين.. وربما لا تبقى المقاعد معنا، حال استمرار عزوفنا، فالتاريخ لا يكتبه الصامتون.ـ