من مآثر ثورة يوليو التى تحل ذكراها الثالثة والسبعون بعد أيام أن ولد فى كنفها جريدة «الجمهورية» التى وقِّع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بيده طلب إنشائها، ثم خطّ بقلمه افتتاحيتها الأولى بوصفها ابنة تلك الثورة، وقدّم السادات 300 جنيه ضمانة شخصية كى توافق إدارة المطبوعات على صدورها ثم عمل مديرًا عامًا لها فرئيسًا لمجلس إدارتها.. وافتتح الرئيس الراحل مبارك مطبعتها ومبناها الجديد.
بين الثورة والجريدة ارتباط عضوي، فالأولى أعطت لشعب مصر مكاسب عديدة لم يكن الشعب المصرى يحلم بها وقتها، فلولاها ما تملك الفلاحون أرضا ولظلوا أجراء لدى الغير يقتاتون الفتات.. وما تعلم بالمجان أبناء الفقراء ونحن منهم فى مدارس تخرج فيها نوابغ كثر أمثال الدكاترة مصطفى مشرفة وفاروق الباز وأحمد زويل ومصطفى كامل السيد ومجدى يعقوب وغيرهم.. فهؤلاء وأمثالهم تلقوا تعليماً راقياً فى مدارس مصر وجامعاتها جعلهم مؤهلين للحاق بركب العالمية بصورة ربما تفوق ما تلقاه وقتها طلاب فى مدارس وجامعات أوروبية.
ارتباط الجريدة بالثورة أريد به أن تكون الصحيفة لسان حال الثورة والناطق الرسمى باسمها، الداعم لقراراتها وتوجهاتها فى الداخل والخارج.. لكن ذلك لم يمنع أن يكون للجريدة شخصيتها، بإخلاصها لجمهورها ورسالتها، فسايرت الأحداث الكبرى فى زمانها، وناصرت قضايا أمتها، وناضلت ضد الاستعمار، ومدت يد العون لحركات التحرر الوطنى فى كل الدنيا، داعية لسياسة عدم الانحياز ومبادئ الاشتراكية التى يممت مصر إليها وجهها منذ عام 1960، كما دافعت باستماتة عن حق شعب فلسطين وقضيته التى لا تزال تراوح مكانها فى متاهات التفاوض المراوغ بسبب الأطماع الإسرائيلية مدفوعة بدعم أمريكى سافر ما يدفع المنطقة كلها لحافة الخطر.
تاريخيًا.. كانت «الجمهورية» أول جريدة يومية تصدرها ثورة يوليو، وقد أريد لها فى البدء أن تكون صحيفة رأي، فأفردت للمقالات مساحة كبيرة على صفحاتها، وتناولت قضايا إنسانية عديدة كالحرية والمساواة والإخاء والتسامح، ومواجهة الفساد بشتى صوره، لكنها سرعان ما تجاوبت مع سنن التطور ومتطلباته، ولم تكتف بهذا اللون الصحفى على أهميته، بل تحولت كغيرها من بنات عصرها لصحافة الخبر الذى تربع على عرش صاحبة الجلالة قبل بزوغ ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وصار عماد الصحافة اليومية وركيزة التحقيقات فى المجلات الأسبوعية.
والمتأمل لمسيرة «الجمهورية» وتاريخها يجدها صوتاً للشعب ومدافعاً عن قضاياه، اهتمت بشواغل الوطن وهموم المواطن وأحلامه وطموحاتها.. تتحسس نبضه، وتستشرف طموحاته وتلبى احتياجاته وتتبنى مطالبه ومظالمه لتضعها بين أيدى المسئولين حتى ارتقت يوماً أعلى درجات المجد وازداد الإقبال عليها حتى وصل توزيعها لأكثر من 850 ألف نسخة، وقد شهدت أرقام التوزيع زيادة على أيدى الأساتذة الكبار: محسن محمد وسمير رجب ومحفوظ الأنصاري.
وفى ظل تسارع الأحداث يممت الجمهورية وجهها شطر قرائها لتشبع نهمهم فى معرفة ما يجرى حولهم ولم تقف عند حدود الخبر بل قدمت لقرائها معلومات متنوعة ذات إيقاع سريع زاد من التفافهم حولها، حتى عرفت بحسبانها صحيفة الشعب، تقدم خدمات متميزة لقرائها الذين أحسوا بفطرتهم الصافية إزاءها بأنها تجاوب صادق وصائب لكل ما يجول فى نفوسهم من آمال وآلام وطموحات وأحلام، وأنها ساعدهم الأيمن فى نيل حقوقهم ودرء الظلم عنهم عبر التواصل الجاد مع المسئولين نيابة عنهم وهو الدور الذى نهض به بامتياز خطها الساخن «139 جمهورية» الذى انفردت به «الجمهورية» على سائر الصحف ليس فى مصر وحدها بل فى العالم العربى كله، فمندوبوه لا يكلون ولا يملون فى استقبال شكاوى الجمهور واستغاثاته يطوفون بها على المصالح والأجهزة الحكومية المختلفة، ويطرقون أبواب المسئولين والوزراء بحثاً عن حق تأخر عن صاحبه، أو دفعاً لمشقة قد لا يطيقها ذوو الحاجة.. وهم حين يفعلون ذلك يؤدون أول رسالة «الجمهورية» التى تقدم للناس كافة، فضلاً على قرائها، ما يحتاجون إليه فى أعمالهم ومعاملاتهم ورحلاتهم وأسفارهم.. فأين ذهب «الخط الساخن»، الرقم المميز والخدمات المتفردة؟!
أما لماذا حققت الجمهورية تلك القفزة الكبيرة فى أرقام توزيعها.. فإن ذلك يعيدنا إلى ما انتهجته الصحيفة من خط تحريرى متميز، أخلصت فيه لقرائها ورسالتها وهو ما يعد درسًا يجب أن تمعن الأجيال الجديدة النظر فيه حتى يشتد عزمهم ويتواصل عطاؤهم لرفعة شأن مؤسستهم العريقة فى مواجهة ظروف صعبة تواجه صناعة الصحافة برمتها.
للحديث بقية..









