قال خبراء الاقتصاد، إن التطورات الحادثة على المشهد الاقتصادى العالمي، على خلفية تعرض الاقتصاد العالمى لسلسلة من التوترات الجيوسياسية والنزاعات المسلحة فى مناطق مختلفة حول العالم، أجبرت صناع السياسة العامة وخاصة فى الاقتصاد نحو تنفيذ العديد من التحالفات الاستراتيجية مع غيرها من الدول الأخري، من أجل كسر حدة الأزمات المالية المتتالية والمتصاعدة التى حدثت خلال الفترة الماضية.
أضافوا لــ «الجمهورية الأسبوعي»: أن اتفاق كل من مصر والصين «قبل أيام» على استخدام «عملتي» اليوان والجنيه فى التعاملات التجارية والمالية يدفع الى زيادة الاستثمارات الصينية فى مصر وجذب المزيد من الاستثمارات الأخرى وتخفيف أعباء الاعتماد على الدولار الامريكي، ما يعنى «هز عرش» العملة الخضراء وسيسهم فى انخفاض أسعار المواد الخام من الخارج وخاصة السوق الصيني، مما ينعكس ايجابيا على ارتفاع المؤشرات الاقتصادية للدولة بالإضافة إلى امكانية سداد مصر التزاماتها السنوية باليوان بدلا من الدولار لصندوق النقد الدولي.
وأوضحوا، ان الصين تعد شريكاً اقتصادياً استراتيجياً لمصر حيــث يبلــغ حجــم التبــادل التجارى بينهما ما يزيد عن 17 مليار دولار حتى الان وتوجد 2800 شر كة صينية بمصـر براسمال يبلغ 1.1 مليار دولار، وتستهدف الصين 500 مليون دولار استثمارات حتى نهاية هذا العام و15 مليار دولار استثمارات مباشرة مستهدفة من التمثيل التجارى بين البلدين، بالإضافة الى زيادة عدد الشركات العاملة فى مصر إلى 1000 شركة بحلول عام 2030.
د. رمزى الجرم الخبير المصرفي، يرى أن الاتجاه نحو تفعيل الشراكة الاستراتيجية مع الصين جاء باعتبارها ثانى أكبر اقتصاد فى العالم من حيث الناتج المحلى الإجمالى بعد الاقتصاد الأمريكى وله أهمية حيوية خصوصًا فى ظل الظروف شديدة الصعوبة التى تواجه كافة الاقتصادات العالمية بشكل عام والاقتصاد المصرى بشكل خاص .
وأضاف، إن لقاء محافظ البنك المركزى المصرى بنظيره الصيني، والذى شهد توقيع ثلاث مذكرات تفاهم من أجل دعم وتعزيز التعاون المصرفى بين البلدين وتوسيع نطاق منظومات الدفع الإلكترونى والتى من أهمها اتفاقية مبادلة العملات وتسوية المدفوعات بين البلدين بالعملات المحلية لهما وإصدار مصر لسندات «الباندا» بسوق المال الصيني، بالإضافة إلى الربط بين أنظمة المدفوعات المختلفة فى البلدين مع التطرق لأهمية تعزيز تواجد البنوك المصرية فى الصين يساهم فى دفع وتعزيز الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والذى تأخر كثيرا على خلفية انه من غير المقبول، الا يكون هناك تعاون مصرفى يليق بحجم وقوة ونفوذ البلدين.
وقال ان الصين دولة عظمى تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث القوة الاقتصادية والعسكرية، فضلا عن انها إحدى الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، وعلى الجانب الأخر مصر التى تعد أكبر وأقوى دولة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتمتلك موقعاً استراتيجياً بين ثلاث قارات، كما تعتبر بوابة أفريقيا على العالم بأكمله، ولديها قوة استهلاكية تتجاوز 107 مليون نسمة.
وأشار إلى سعى الجانبين نحو نجاح وتوثيق البروتوكولات على خلفية حرصهم على دعم وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين من اجل الوصول الى مرحلة التكامل الاقتصادى فى المجالات كافة من خلال تطوير البنية التحتية للخدمات المالية وتوسيع نطاق التعاون فى مجالات الدفع الإليكترونى والذى سيسهم بشكل كبير فى أحداث تنمية اقتصادية مستدامة لكافة الأطراف وتعزيز التبادل التجارى والاستثمارى بين مصر والصين.
سياسات متكاملة
ويرى الجرم، انه على الرغم من أهمية وجود تعاون وثيق فى مجالات الدفع الإلكترونى وتواجد البنوك الصينية فى السوق المصرى والعكس، إلا أن هذه الوسائل لا تأتى بنتائج ملموسة على أرض الواقع، إلا من خلال تَبنى سياسات متكاملة تَرمى إلى زيادة الإنتاج وبشكل خاص الانتاج الصناعى المُخصص للتصدير لزيادة الطاقة التصديرية والاستفادة من عمليات التبادل التجارى مع الدول الأخري، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من اتفاقية تبادل العملات بين الصين ومصر من ناحية، وبين دول البريكس ومصر من ناحية أخري،فإتفاقية تسوية معاملات التبادل التجارى بين البلدين بالعملات المحلية لكلا البلدين، وعدم توسيط الدولار الأمريكى فى تلك المعاملات، أمر له أهميته الحيوية، من أجل الحفاظ على قدر من الموارد الدولارية اللازمة لتسوية المعاملات التجارية مع الدول الأخرى خارج نطاق مجموعة البريكس، ولكن ستكون الإستفادة الكبيرة للدولة التى تُصدر أكثر مما تستورد من الدولة الأخري، خصوصًا أذا ما علمنا أن الميزان التجارى غير البترولى بين مصر وشركائها التجاريين خلال الربع الأخير من عام 2024، يشير إلى أن الصين كانت فى مقدمة الدول التى حققت مصر معها عجزًا تجاريًا خلال هذا الربع من هذا العام، بقيمة عجز تجارى بلغ 4.14 مليار دولار، وتأتى روسيا فى المرتبة الثانية بقيمة قدرها 1.27 مليار دولار أمريكي، وهما فى نفس الوقت الدولتين التى قامت مصر بتوقيع اتفاقية تسوية معاملات التبادل التجارى بالعملات المحلية معهما، على حين إرتفع العجز التجارى لمصر مع الصين بقيمة 919.7 مليون دولار خلال الربع الأخير من عام 2024 مقارنًة بالربع الأخير من العام السابق له مباشرةً.
التبادل التجارى
وعن التبادل التجارى بين مصر ودول مجموعة البريكس، قال د. «الجرم» إن الميزان التجارى غير البترولى بين مصر ودول البريكس خلال الفترة من الربع الأخير من عام 2023 حتى الربع الأخير أيصًا من عام 2024، يشير إلى أن قيمة الصادرات المصرية من السلع غير البترولية إلى تلك الدول بلغت نحو 2.6 مليار دولار خلال الربع الأخير من عام 2024 مقابل ما قيمته نحو مليارى دولار خلال الربع الأخير من العام السابق له مباشرةً، بمعدل زيادة بلغ نحو 31.2 ٪، وبلغت قيمة الواردات المصرية من السلع غير البترولية من دول البريكس 9.6 مليار دولار خلال الربع الأخير من عام 2024، مقابل ما قيمته نحو 7.3 مليار دولار خلال الربع الأخير من العام السابق له مباشرةً، بمعدل زيادة بلغ نحو 31.5 ٪، كما بلغت قيمة عجز الميزان التجارى للسلع غير البترولية لمصر مع دول البريكس 7 مليارات دولار خلال الربع الأخير من عام 2024؛ مقابل عجز بقيمة قدرها 5.3 مليارات دولار خلال الربع الأخير من العام السابق له مباشرةً .
وأضاف، انه من المثير للدهشة أن صادرات مصر من السلع غير البترولية إلى دول البريكس خلال الربع الأخير من عام 2024، لم تَكن الصين على قائمة نلك الدول، إذ اتجهت معظم الصادرات المصرية من السلع غير البترولية إلى دول البريكس خلال الفترة المذكورة لدولة الإمارات العربية المتحدة بنحو مليار دولار أمريكي، بينما جاءت إيران كأقل دولة فى مجموعة البريكس المستوردة للسلع المصرية غير البترولية خلال الربع الرابع 2024 بقيمة 0.2 مليون دولار.
واردات مصر
وبخصوص قيمة واردات مصر من السلع غير البترولية من دول البريكس خلال الربع الأخير من عام 2024: جاءت الصين فى مقدمة دول البريكس التى استوردت منها مصر السلع غير البترولية خلال الربع الأخير 2024 بقيمة 4.2 مليارات دولار ثم روسيا بقيمة 1.4 مليار دولار.
وأشار، إلى أنه من المفيد جدًا فى تلك الفترة الحالية، التوجه بشكل سريع نحو تنمية قطاع السياحة بشكل كبير،على خلفية استهداف أفواج سياحية من الدول التى قامت مصر بتوقيع اتفاقيات بشأن تسوية عمليات التبادل التجارى بالعملات المحلية لتلك الدول، فالعمل على زيادة الأفواج السياحية لكل من الصين وروسيا، من شأنه أن يؤدى إلى زيادة تدفق العملات المحلية لتلك الدولتين، مما يُمكن لمصر من استخدام العملات المتوفرة من اليوان الصينى او الروبل الروسى فى تسوية معاملات التبادل التجارى بينها وبين كلا من الصين وروسيا على الترتيب، على اعتبار أن صناعة السياحة تندرج تحت طائفة الصادرات غير المنظورة، مع ضرورة السير بشكل جَدى فى تنفيذ خطط زيادة الانتاج وبشكل خاص الانتاج الصناعى المُخصص للتصدير من أجل تحقيق وفورات مالية بشكل مُستدام جراء التعامل باتفاقية تسوية معاملات التبادل التجارى مع روسيا والصين بشكل خاص
وأوضح «د. الجرم»، إن تفعيل أُطر الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصين، سيؤدى الى تشجيع مشاركة القطاع الخاص فى مشروعات التنمية الاقتصادية بشكل أوسع، خصوصًا مع وجود مساع حثيثة نحو توقيع اتفاقية خاصة بمبادلة الديون بالاستثمارات مع الصين، والتى بمقتضاها سيتم مبادلة ديون مصر للصين والبالغة نحو 8 مليارات دولار أمريكي، بفرص استثمارية صينية داخل مصر، ربما يسهم القطاع الخاص وبشكل خاص القطاع الخاص الصناعى بالنصيب الأكبر فى تلك الصفقات الاستثمارية، مما يُقلل العبء على الموارد الدولارية الشحيحة، وفى نفس الوقت إحداث تنمية اقتصادية مستدامة بمشاركة القطاع الخاص الصناعي.
التجارة البينية
وقال د. فايز عزالدين رئيس غرفة التجارة الكندية فى مصر والشرق الاوسط ان اتفاق الحكومة المصرية والصينية على استخدام اليوان فى التبادل التجارى بينهما بديلا عن الدولار، يعد تنشيطًا للتجارة البينية بين البلدين حيث يبلغ حجم التبادل التجارى بينهما ما يزيد عن 17 مليار دولار حتى الآن و2800 شــر كة صينية بمصـــر برأسمـــال يبلـــغ 1.1 مليار دولار تتركز 47 ٪، منها فى النشاط الصناعى فى مجال الفيبر جلاس والاجهزة المنزلية والمنسوجات والصناعات الغذائية والأعلاف الحيوانية و بحجم استثمارات بلغت 8 مليار دولار مما يخفف عبء الاعتماد على الدولار مما يعزز المزيد من المؤشرات الإيجابية على الاقتصاد المصرى وخاصة بعد اعتماد صندوق النقد الدولى اليوان الصينى عملة قابلة للاستخدام الحر ضمن حقوق السحب الخاصة منذ عام 2016 موضحًا ان ذلك سيتيح سداد أقساط قرض صندوق النقد الدولى باليوان الصينى مما يقلل ضغط الطلب على الدولار ويعطى فرصة أكبر لمصر ان تجعل تعاملاتها الخارجية باليوان فينعكس ايجابيا على الاقتصاد المصرى ويجذب المستثمرين الأجانب للاستثمار فى مصر وكذلك المستثمرين المحليين لتوفير العملة بشكل مرن.
رسالة طمأنينة
وأضاف ان هذا التوجه بمثابة رسالة طمأنينة للمستثمرين الأجانب بأن الاقتصاد المصرى اقتصاد مرن يستطيع التعامل فى كل الأحوال، حركة الاستثمار ستشهد رواجًا خلال الفترة القادمة لتشجيع كبريات الشركات الصينية الراغبة للتوسع فى الأسواق الإفريقية والعربية من خلال الانطلاق من مصر مما يخدم رؤية مصر 2030 وخاصة ان الصين من الشركاء التجاريين المؤثرين مع مصر خصوصا المشروعات العملاقة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
ويرى د. فايز عز الدين ان التعامل باليوان الصينى للشركات المصرية يتيح لها الحصول على امتيازات أفضل مع توسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص من خلال تعاملاتها التجارية مع الصين والدول المنعقدة الاتفاقيات التجارية مع الصين أيضا مما يعزز من التنافسية التجارية الصناعية وزيادة نمو الصادرات لدولة الصين والبالغ قوامها ما يزيد عن مليار نسمة بالإضافة إلى انه كعامل محفز للشركات الصينية العاملة فى مصر بضخ المزيد من الاستثمارات.
وأضاف، ان استخدام اليوان ايضا يساعد على تشجيع السياحة الصينية الوافدة الى مصر مما ينعكس إيجابًا على قطاع السياحة أيضًا حيث بلغ السياح الصينيون إلى مصر 300 ألف سائح فى عام 2024 بزيادة قدرها 63 ٪ مقارنة بعام 2023.
تعزيز الصادرات
وقال محمود عودة باتحاد الصناعات المصرية، ان استخدام اليوان الصينى فى التجارة يؤدى إلى تقليل الاعتماد على الدولار وتكاليف المعاملات مما يعزز الصادرات والواردات من وإلى الصين ويوفر مرونة فى التعاملات المالية و يدعم توطين الصناعة ونقل الخبرات، كما يساعد فى تبسيط سلاسل الامداد و تقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات العملات الأخرى مما يجعلها أكثر كفاءة وشفافية لأن التعاون بين البنوك المركزية والشركات العالمية يعزز استخدام اليوان فى التجارة العابرة للحدود مما يسهل المعاملات ويقلل من تكاليفها و تقيل أسعار المواد الخام مما ينعكس بالإيجاب على الصناعة المحلية والتصدير للأسواق الخارجية بالعملة الصينية تتمتع بالثقة والإقبال فى الأسواق المالية العالمية تضيف المزيد بالثقة للمعاملات التجارية بين الدول وخاصة ان الصين أصبح لها دور كبير فى الاقتصاد العالمى حاليا لما تشهده من تطور سريع مع الدول المشاركة فى بناء الحزام والطريق وما يصاحبه من انعقاد اتفاقيات تبادل العملات الثنائية مما يسهل التسوية والدفع عبر الحدود وتوفى تكاليف التحويل لتقليل المخاطر المحتملة المتعلقة بتقلبات أسعار الصرف فيعمل على الاستقرار الاقتصادى ويسهم فى تحقيق التنمية المستدامة لكلا البلدين .
وأضاف محمود عودة، ان العلاقات المصرية الصينية تتمتع مؤخرًا بنسب نمو مرتفعة وتعكس القوة الإنتاجية والاستثمارية الصناعية بينهما حيث تستهدف الصين 500 مليون دولار استثمارات حتى نهاية هذا العام و15 مليار دولار استثمارات مباشرة مستهدفة من التمثيل التجارى بين البلدين بالإضافة الى زيادة عدد الشركات العاملة فى مصر إلى 1000 شركة بحلول عام 2030، وتستهدف استثمــارات مبــاشرة نهاية العام الجارى إلى 15 مليار دولار وأنه بلغت قيمة الواردات المصرية من الصين 16 مليار دولار، وكذلك تستهدف تيدا توسعات بالمنطقة الاقتصادية تبلغ 10 ملايين متر مربع وانها توفر حتى الآن 5 آلاف فرصة عمل.