عندما اخبرونى ان هناك زيارة عمل وتغطية إعلامية فى دولة غينيا الاستوائية ، ظننت اننا ذاهبون إلى ما نطلق عليه جهلا «أدغال إفريقيا» ، فكانت تجهيزات السفر والمتعلقات الشخصية تعكس هذا القدر من القلق على الحالة الصحية الوبائية مثل التيفويد والملاريا ، وكان التفكير فى ملاءمة الطعام والشراب والسكن والانتقالات والاتصالات قد استغرق وقتا لا بأس به على مائدة الترتيب ، وعادة ما أبدأ استعداداتى لأى زيارة خارجية إلى دولة ما باستعراض الخريطة الجغرافية ومذاكراتها بشكل دقيق ،
>>>
ثم أبدأ فى استعراض تاريخ وعادات وثقافات ذلك البلد ، وفى النهاية اقرأ عن الفعالية أو مناسبة الزيارة الرئاسية وان كانت زيارة دولة ام زيارة ثنائية ام مشاركة متعددة الأطراف إلى آخر هذه الأشكال من الزيارات ، أعود إلى غينيا الاستوائية والتى قرأت خريطتها وتاريخها وعادات شعبها وثقافته ، فهى دولة أفريقية شقيقة تقع فى غرب أفريقيا وتطل على المحيط الاطلنطى وعاصمتها «مالابو» وهى عبارة عن جزيرة داخل المحيط ، وعندما حطت الطائرة فى مطار مالابو ، وجدنا انفسنا فى بلد أوربى بكل ما تحمله الكلمة من معان ، منظومة محترمة وكوادر مدربة على أداء مهامها بسهولة ويسر واحترام وتقدير ودقة متناهية وفقا لقوانين صارمة ،
>>>
انهينا إجراءات الخروج من المطار وفى طريقنا للفندق ، وجدنا ما لم نكن نتوقعه ، شبكة طرق عالمية تخترق فى انسيابية ساحرة جنات ومروج وحدائق غناء ، وعلى مشارف المدينة كانت تبدوا البنايات العملاقة والشوارع المنظمة النظيفة وإشارات المرور الذكية امام أعيننا وكأننا فى ارقى البلاد الاوربية بل وأفضل كثيرا ، الشوارع خالية من الزحام فعدد السكان لا يزيد عن مليون ونصف ، الجاليات الأجنبية متعددة لكن تبق إسبانيا التى كانت تحتل غينيا وكانت تسمى غينيا الإسبانية ، هى الأكثر حضورا من خلال لغتها ، فاللغة الأساسية فى هذا البلد الأفريقى الرائع هى الإسبانية ، ثم الفرنسية.
>>>
فتسمع هنا كلمات سنيور وسنيورة وسينيوريتا فى كل مكان ، وهناك جاليات أفريقية وعربية ومصرية لا بأس بها ، تعمل فى التجارة والخدمات والمقاولات ، والجميع يشعر بالأمان فى ظل قوانين صارمة وحكومة قوية ، ورئيس محبوب ، بالمصادفة تقابلت مع ثلاثة شباب مصريين من شباس عمير محافظة كفر الشيخ يعملون فى تجارة وتوزيع الأدوات المنزلية الواردة من مصر ،ما لفت انتباهى هو إعجاب هؤلاء الشباب المصريين بهذا البلد الأفريقى الشقيق لدرجة انهم قرروا البقاء والاستقرار هناك ، وسألتهم عن المميزات التى يشعرون بها ، قالوا وبالإجماع ، هنا القانون يطبق على الجميع وهنا لا يمكن لاحد ان يتعرض لحالات نصب من اى نوع ، الشرطة حاضرة فى كل المعاملات حامية للحقوق وحافظة للحريات.
>>>
فحقك لابد وان تأخذه عرفا او قانونا حتى ولو لم يكن معك مستندات او عقود فالحق فى هذا البلد لايضيع ، أضافوا : هنا الحياة رخيصة السكن والأكل والانتقالات تناسب الجميع ، هنا فرص ذهبية للعمل والاستثمار فى بلد نفطى غنى وعدد سكانه محدود ، هنا أرض الفرص الواعدة ،كان الشبان الثلاثة المنحدرين من الريف المصرى يقصون لى قصصا عاشوها او كانوا جزءا منها تعكس شطارة الشباب المصرى وإخلاصه واستعداده للعمل فى أصعب الظروف ليحقق افضل النتائج ، شرح لى الشباب مميزات وعيوب كل دولة إفريقية عملوا بها ، وكانوا على درجة عالية من الفهم والوعى والجدعنة المصرية دون مزايدات.
>>>
فكانت محطة «مالابو « هى محطة الوصول إلى الاستقرار والنجاح وكذلك الحب ، لقد وقع الشبان الثلاثة فى قصة حب مع «مالابو» وتنافسوا جميعا على التغزل فيها وفى جمالها وحيويتها أمامى ، اصرّوا ثلاثتهم على ان يصطحبونى كى أرى الحديقة الوطنية فى قلب « مالابو « حيث الأشجار الاستوائية النادرة التى تحتضن فى دفء كل أنواع الزهور والنباتات النادرة ، الناس تستمتع بالمكان وتحافظ عليه وتشعر انه ملكها وقد شيده الرئيس لاجل سعادتهم هم وابناءهم ، حدثنى الشباب عن شركة المقاولون العرب ودورها واهميتها وحب الناس لاسمها ، وبقى ان أقول ان اسم وأثر وتأثير وسمعة شركة المقاولون العرب المصرية هناك.
>>>
مدعاة للفخر والاعتزاز ، كل طريق تم شقه وكل بناية تم تشييدها ، وكل بصمة جمالية على شواطئ الاطلنطى كانت للمقاولين العرب نصيب أساسى منها ، هنا ينظر الناس للمقاولين العرب باحترام وتقدير وحب ، وهذه النقطة موضع مقال آخر ، لكن ما أحزننى حقا هو عدم وجود مصر للطيران فى هذه الدولة ، غابت مصر للطيران لأسباب ربما ترتبط بالعائد والتكلفة وهذا مفهوم ، لكن ايضا حضرت الخطوط المغربية والأثيوبية والفرنسية وغيرها ، وهنا أناشد المسؤلين المصريين فى وزارة الطيران والشركة الوطنية ان يدرسوا سرعة تسيير رحلات جوية حتى أسبوعية إلى مالابو الجميلة التى تحب مصر كثيرا.
>>>
فهناك استثمارات واعدة يمكن ان يقوم بها مصريون فى غينيا وهناك مستثمرين غينيين يتطلعون للاستثمار والسياحة فى مصر ، بيد ان شركة الطيران الإثيوبية ومطار أديس أبابا يحققان معا جزء ضخم من عوائد الدولة الإثيوبية ، لقد تحولت مطارات إثيوبيا والمغرب وجنوب أفريقيا إلى مطارات مركزية على مستوى القارة الأفريقية ، ونحن فى مصر كنا ويجب ان نعود إلى ما كنا عليه ، الخلاصة ان الاتجاه جنوبا بات واجب استراتيجى ، لكن كيف يتم ذلك ؟ فهذه قصة اخرى