خلال اليومين الماضيين تابعت واستمعت إلى حزمة من المصطلحات والأرقام والإحصاءات حول «التحول الرقمي» الذى يمثل عالما مغايرا لعالمنا الكلاسيكى فى كل مناحى الحياة، فنحن نعيش وسط غابة من القوانين والإجراءات واللوائح والقوانين والتعليمات والقرارات المبعثرة والتى تستخدمها جهات الدولة ووزاراتها المختلفة منذ عقود طويلة، وهذا التشوه الإجرائى تسبب فى ضياع فرص عديدة على الدولة المصرية لا مجال لذكرها الآن، الدولة قررت المضى قدما فى مشوار طويل وغير ممهد اسمه «التحول الرقمي» وهو رقمنة كل الإجراءات وتحويلها بعيدا عن متناول العنصر البشري، هذا التحول ليس أمنيات تبقى مستلقية فى قلوبنا دون أن ترى الواقع وتصطدم بمطباته وعقباته وعوائقه، اليوم تشهد مصر ثورة رقمية حقيقية تشمل كل قطاعات الدولة، ومع هذه الثورة كان لزاما أن تكون البنية الرقمية جاهزة لتشييد هذه الصروح التكنولوجية، فأنشأت الدولة ثلاثة مراكز رئيسية وتبادلية واستراتيجية لجمع وتخزين وتحليل كل بيانات الدولة المصرية على قواعد بيانات موحدة، هذه البيانات المعالجة تساعد فى سرعة ودقة اتخاذ القرار كما تساعد فى سرعة إنجاز المعاملات الحكومية للجماهير فى كل القطاعات والمصالح الحكومية، لقد شاهدت افتتاح مركز الحوسبة السحابية الاستراتيجى وتعرفت من خلال الخبراء والمختصين على حركة المدخلات والمعالجات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى وكذلك المخرجات المخططة وتأثير هذه العملية على مجمل الأنشطة والقرارات داخل الدولة، فعلى سبيل المثال ومن خلال البيانات التى تصل الى المركز عن عدد الحوادث اليومية على مستوى الجمهورية يمكن تحليل تلك البيانات وصولا الى أسباب تكرار تلك الحوادث مثلا فى منطقة بعينها، فيتم الوصول إلى السبب وقد يكون عيباً ما فى تصميم الطريق ومنحنياته او وجود كتلة سكنية تحتاج إلى كوبرى مشاه أو الحاجة إلى لجنة مرورية دائمة أو إقامة مطبات صناعية إلى آخر الأسباب والمسببات، كذلك يمكن معرفة عدد الغرف المجهزة للطوارئ بالمستشفيات لاستقبال حالات الطواريء ومعرفة أماكن تواجد سيارات الإسعاف لأقرب نقطة من المريض ولأقرب مستشفى جاهزة لاستقبال الحالة، يتم ذلك بشكل مميكن دون الحاجة الى اتصالات والبحث عن واسطة أو معرفة للقيام بهذه الأمور، أيضا ستتمكن الدولة من مراقبة حركة العمران والبناء لحظيا وعلى الهواء وهذا يساعد الدولة فى الحفاظ على الأرض الزراعية وكذلك وقف البناء العشوائى غير المخطط فى عموم الجمهورية، هذه نماذج بسيطة للتحول الرقمي، وتذكرت حينما كنت فى نيودلهى لحضور قمة مجموعة العشرين العام الماضى وشاهدت بالتفصيل رحلة التحول الرقمى فى دولة بحجم وتعقيد وتنوع الهند، اليوم نفتح الملف على مصراعيه لنعلم ان هناك مقاومة شرسة لهذه التحول العظيم فهناك من يكفر بالرقمية والتكنولوجيا وينفى وجودها من الأساس وهناك مؤمنون بها وعلى يقين أنها وحدها هى الجسر الذى يمكن ان نعبر عليه للمستقبل، إذن علينا أن نواجه العقبات التى يضعها الكافرون بالرقمية أمام المؤمنين بها بكل قوة ودون هوادة، فالمقاومون للتحول اصحاب مصلحة فى بقاء العشوائية والجزر المنعزلة تحكم دولاب الدولة المصرية، أما المؤمنون فيتحركون فى بيئة عمل صعبة ومعقدة ماليا وفنيا وفى نفس الوقت يجدون مقاومة من اصحاب المصالح.