قد أبدو متحيزاً عندما أتحدث عن الدور المصرى المميز الذى شاهدناه منذ إندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة فى السابع من أكتوبر 2023، إلا أن الأمر الذى يحكم توضيح أو تقييم هذا الدور يتمثل فى الاعتماد على الحقائق فقط وليس على أى عوامل عاطفية أو معنوية، ولا يفوتنا هنا أن نؤكد على أن القصية الفلسطينية تعد جزءاً لايتجزأ من الدائرة الأولى والمباشرة للأمن القومى المصري.
تحركت مصر منذ بدء هذه الحرب الظالمة على ثلاثة محاور رئيسية يمكن الإشارة إليها على النحو التالي−:
المحور الأول: وهو التحرك العاجل لاحتواء الحرب منذ انطلاقها حيث أجرى الرئيس عبدالفتاح السيسى عشرات الاتصالات مع العديد من القيادات والزعامات الإقليمية والدولية من أجل التوصل إلى وقف عاجل لإطلاق النار، إلا أن قطار العمليات العسكرية الإسرائيلية كان قد انطلق بكل قوة وحددت تل أبيب العديد من الأهداف التى حرصت على تحقيقها وبالتالى لم تكن هناك أى فرصة لوقف القتال.
المحور الثاني: ويتمثل فى تحديد القيادة السياسية المصرية مجموعة المبادئ التى تعد بمثابة الثوابت التى تحكم الموقف المصرى خلال تعامله مع هذه الحرب وأهمها ما يلي−:
> رفض سياسة العقاب الجماعى التى تمارسها إسرائيل على سكان قطاع غزة وكذا رفض سياسة التهجير القسرى والطوعى للسكان.
> رفض تصفية القضية الفلسطينية.
> رفض تهجير السكان الفلسطينيين إلى سيناء واعتبار هذا الأمر بمثابة خط أحمر لن تقبل مصر تخطيه تحت أى ظروف.
> الفتح الدائم لمعبر رفح حتى يمكن إدخال أكبر قدر من المساعدات الإنسانية من هذه المعبر الحيوي.
> التحذير الواضح من مغبة توسيع دائرة الصراع فى المنطقة فى حالة استمرار العمليات الإسرائيلية.
> عقد مؤتمر القاهرة الدولى للسلام فى 21 أكتوبر الماضى شاركت فيه 34 دولة حيث وجه الرئيس السيسى خلال المؤتمر رسالة واضحة للمجتمع الدولى مفادها أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية يتمثل فى الحل السياسى وأن الحلول العسكرية لن يكتب لها النجاح مطلقاً.
> بذل كل الجهود الممكنة للتوصل إلى هدنة إنسانية حيث تم النجاح فى التوصل إلى أول هدنة فى نوفمبر 2023 بجهد مشترك مع كل من دولة قطر الشقيقة والولايات المتحدة وللأسف لم تستمر سوى أيام قليلة فقط.
المحور الثالث: وهو طرح الحلول العملية حيث يمكن القول إن مصر تعد الدولة الوحيدة فى العالم التى طرحت رؤية متكاملة للخروج من أزمة غزة، وقد كانت هذه الرؤية هى أساس المفاوضات التى تمت − ومازالت تتم − بين كل من القاهرة والدوحة وتل أبيب، كما استندت الرؤية المصرية على أربع مراحل فرعية (التهدئة − إدخال المساعدات بكثافة لجميع أرجاء القطاع − انجاز صفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية − التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار) على أمل أن يتم بعد ذلك تمهيد المناخ أمام استئناف عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية وصولاً إلى تنفيذ مبدأ حل الدولتين.
ومن الإنصاف أن أشير إلى أن مصر قد بذلت خلال الأيام الأخيرة ومازالت تبذل جهوداً تفوق الخيال بل تسابق الزمن من أجل الوصول إلى التهدئة المنشودة وذلك فى أعقاب ما وضح من اتجاه إسرائيل لتنفيذ عملية عسكرية فى مدينة رفح الفلسطينية وماقد يترتب عليها من نتائج كارثية، حيث أكدت مصر رفضها القاطع لهذه العملية وتتحرك بكثافة من أجل منع وقوعها وتضغط على إسرائيل من أجل الموافقة على تهدئة جديدة تخفف من وطأة الكارثة الإنسانية التى يعانى منها أهلنا الصامدون فى غزة.. جهود مصر متواصلة والمؤشرات تميل إلى أنه من الممكن أن يتحقق وقف إطلاق النار، والمؤكد أن مصر لن يهدأ لها بال حتى يتم، ليس فقط انهاء أزمة غزة وإنما حل القضايا الفلسطينية بالكامل وحصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة.