المصطلحات المتداولة فى مختلف العلوم مهمة عندما تستخدم فى سياقها الصحيح، ولا يجوز الاستهانة بها وبكيفية توظيفها، ومن غير المعقول أيضا رهابها وإعطاؤها أكثر من قدرها، الحكمة تقتضى إمعان التفكير فى الكلمات التى تكون جملة أو مصطلحا، يشيع استخدامه فى الإعلام، ويساهم الأخير إلى حد كبير فى ترسيخ مفهوم المصطلح، بحسب التفسيرات التى يتبناها صناع الإعلام لهذا المصطلح.
ليس خافيا أن العالم كله يشهد تطورا كبيرا فى مجال الاتصالات وتقنية المعلومات وهو ما نتج عنه العديد من المصطلحات توصف هذا التطور، لكن ألاحظ أنه يحلو للبعض تزيين هذه المصطلحات وتهويلها وإعطاؤها المزيد من الرهبة.. وهذا للأسف ينعكس على طبيعة التعامل ليس فقط مع المصطلح ..ولكن مع المضمون الذى يعكسه، وتفسيرات الناس له، سأضرب لكم مثالين، الأول كان فى «حلقة نقاشية» عقدت مؤخرا تناقش التطور التقنى فى مجال نقل المعلومات، تابعت أخبارها فى وسائل الإعلام، الحدث فى حد ذاته، جيد فكم نحن فى حاجة لمناقشة ما يحدث من تطورات حولنا لنتعلم كيف سنتعامل معها، لكن المفاجأة لى كانت فى عنوان المناقشة وهو «الانفجار المعلوماتي»، أما المثال الثانى: فألاحظ كثيرا حينما يتم التعرض لموضوع التطور التقنى فى مجال الاتصالات عبر وسائل الإعلام المختلفة أنه يروق للبعض استخدام مصطلحات تبدو مفزعة للمتلقى من عينة «الاجتياح التكنولوجي» حاولت مرارا أن أفهم سبب كل هذا الرعب من المصطلح ولم أجد!!، ولماذا يريد البعض بدلا من المناقشة الموضوعية والطرح المنطقى للتعامل مع أى تطور يختار أن يظهر للناس أنهم أمام طريق مسدود فى مواجهة هذه التطور؟! مع أن الإنسان أصل كل شىء، خلق الله الأشياء كلها لأجله، يستطيع أن يبتكر ويطور كيفما شاء.
كلمة «انفجار» فى اللغة تعنى زيادة مفاجئة فى الحجم مصحوبة بانطلاق كمية كبيرة من الطاقة بصورة بالغة الشدة، فنقول اِنْفَجَرَتْ قُنْبُلَةٌ: تَفَرْقَعَتْ، وَتَفَكَّكَتْ أَجْزاؤُها، وتَطايَرَتْ شَظاياها لِتُصيبَ أَيَّ شَىءٍ قَريبٍ مِنْها، ولو أن انفجاراً حدث فما كان لأحد أن يجلس ويتناقش، فمفردة انفجار تعنى نهاية كل ما فى محيطها، وهل كان عيباً مثلا أن يقال مناقشة حول «التطور فى مجال نقل المعلومات» بدلا من «الانفجار المعلوماتي»؟!، لماذا كل هذا الترهيب الذى نكسبه للمصطلح؟!
وبالنسبة للمصطلح الثانى وهو «الاجتياح التكنولوجي»، فمعروف أن الاجتياح يأخذ كل ما هو فى طريقه فنقول فى اللغة اجتاحت السُّيولُ الأراضى: اكتسحتها وغمرتها ولو أن اجتياحا حدث بالفعل فما كان هناك من سيناقش أو يقيم مؤتمرا، لماذا نبالغ فى إكساب المفردات أكبر مما تحتمل؟!
تغليف المصطلحات بمسميات جذابة وإفراغها من معانيها الحقيقية وطرحها بتفسيرات رنانة بهدف الإغراء للتطبيع معها، مجرد نهج سطحى يحول دون الفهم الصحيح للمصطلح، وهذا تضليل يندرج تحت ما يعرف بـ «رهاب المصطلاحات».