تناولنا فى المقال السابق كيف أن الأزمات الإقليمية والدولية جعلت مصر أمام تحديات وتداعيات مباشرة وغير مباشرة لاسيما على المستوى الاقتصادى، وأن الصمود المصرى ممكن لكنه مرهون بمجموعة من المتطلبات الضرورية منها:
أولا: سرعة ومرونة الحكومة فى التفاعل مع المتغيرات والحفاظ على ثقة المستثمرين.. ثانياً: توفير فرص استثمارية كبيرة ومتعددة، ثالثاً: التنسيق بين السياستين المالية والنقدية،رابعا: عدم التخلى عن وضع السياسات الاقتصادية المرنة، خامساً: السعى نحو تحقيق شراكات تجارية واستثمارية عالمية، سادساً: الاستناد إلى دعم السياسات الشاملة والمستجيبة لمتغيرات السوق، لا سيما وأن الاستثمار الأجنبى المباشر فى العالم قد انخفض فى عام 2024 إلى 1.4 تريليون دولار بعد أن كان 1.7 تريليون دولار قبل جائحة كورونا،ولكن من المتوقع أن ينخفض فى هذا العام لأقل من 1،20 تريليون دولار نتيجة زيادة حدة الأزمات العالمية، وتعمق حالة عدم اليقين، وهو أمر سوف ينعكس بالطبع على الدولة المصرية التى تحتاج لتحقيق معدل نمو اقتصادى سنوى 8 ٪ على الأقل لامتصاص البطالة والفقر، وحتى نصل لهذا المعدل نحتاج إلى معدل استثمار يتراوح من 25 إلى 30 ٪ سنوياً، وهو أمر صعب فى ظل تدنى معدل الإدخار المحلى إلى 4.6 ٪ العام الماضى، مما يؤدى إلى وجود فجوة موارد خارجية يتم سدها إما عن طريق الاقتراض الخارجى، أو الاستثمار الأجنبى المباشر، لذا فإن مشاركة رئيس الوزراء نيابة عن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى المؤتمر الرابع لتمويل التنمية فى أسبانيا والقائم تحت رعاية الأمم المتحدة ،ما هو إلا محاولة حقيقية من جانب دول العالم خاصة الاقتصادات الناشئة لمعالجة التفاوتات فى التمويل والتى تعيق عملية التنمية المستدامة، وذلك عبر إصلاح نظام التمويل العالمى الذى يتسم بالتقادم ، والمعمق لفجوات التمويل، وأوجه عدم المساواة، وهو أمر يؤثر بالطبع على اقتصاد مصر عبر زيادة تكاليف الاقتراض، وزيادة أعباء خدمة الدين العام، واتساع فجوات التمويل، فالدول العربية مثلا تحتاج إلى 600 مليار دولار سنوياً ولكن فى ظل اعتمادها على نظام التمويل العالمى القديم فإن هذا المبلغ قد لا يصل إلى النصف، وبالتالى كانت الحاجة ماسة إلى تنفيذ مجموعة من الإصلاحات المنهجية والتى تقوم على الشمول، والمساواة، والفاعلية فى النظم المالية العالمية، والنماذج التنموية العالمية تشترك فى ذلك عبر خطة عمل منهجية تسعى إلى تدارك الفجوات فى عملية التمويل، وتيسير التكامل المالى، هذه الخطة يجب أن تستمد منهجيتها من روح ثورة 30 يونيو تلك الثورة الخالدة، التى قال عنها الرئيس السيسى إنها شكلت ملحمة وطنية، توحدت فيها الإرادة.