يجعلك الفن أفضل حتى وأنت ترى عملا معادا، بل ان بعضنا اصبحت له قائمة من الافلام والمسلسلات يراها من جديد فى اوقات راحته، لتتجدد روحه بها، ومن هنا سعدت أنا شخصيا باستعادة رؤية الجزء الثالث من مسلسل «الاختيار» كاملا مساء الاثنين على شاشة قناة «الوثائقية» وأجزاء منها على شاشات أخرى بمناسبة عيد ثورة 30 يونيو، كان هذا الجزء الثالث واسمه «القرار» يستعيد لى ولنا جميعا الكثير جدا مما واجهناه كبشر وشعب من محاولات الاخوان السيطرة على مصر وأسلوبهم فى التعامل مع الآخرين الذين يمثلون أغلبية المصريين، وهو ما قدمه المسلسل من خلال القصة وبنائها الدرامى واحداثها وشخصياتها وأماكن الاحداث فى كل محافظات مصر تقريبا «وأظن ان كل ممثلى مصر الكبار شاركوا فى هذا الجزء» وبالطبع كان لتوزيع الأدوار دور كبير فى التعبير عن الشخصية ولعل الكثيرين منا فوجئ بالفنان ياســر جــــلال وهو يقـــوم بــــدور الفريق أول عبد الفتاح السيسى وقتها، وصبرى فواز وهو يقدم دور الرئيس الاخوانى محمد مرسى، وخالد الصاوى فى الإرهابى خيرت الشاطر وعبدالعزيز مخيون فى دور مرشد الجماعة الإرهابية بالإضافة لأدوار رجال الشرطة وغيرهم، نجح العمل فى حفــظ وتوثيق احـــداث ســـبقت ثــورة 30 يونيو 2013، على مدى أكثر من عام، وفى تقديم صورة شبه حقيقية لما كانت تقوم به الجماعة فى مصر من عنف وعنصرية وتخريب وافتعال أزمات، والطعن فى شخصيات مصرية عظيمة كالروائى نجيب محفوظ وغيره، وحصار مدينة الانتاج الإعلامى لوقف العمل بها، والأكثر حصار منطقة رابعة العدوية بمدينة نصر ومسجدها، ومحاولات الهجوم على سكان العمارات المجاورة لها، والهجوم على الشرطة واغتيال النائب العام فى سيارته اثناء ذهابه لعمله، وإحداث أخرى استطاع المسلسل تقديمها فى أهم عمل درامى توثيقى عرفناه منذ بدأت صناعة الدراما المصرية، والحقيقة أن «الاختيار» بأجزائه الثلاثة يستحق احتفاء خاصا به وبصناعه بداية من الإنتاج «شركة سينرچى» والكاتبان باهر دويدار، مؤلف الجزء الأول الذى دارت أحداثه فى سيناء وقدم قصة البطل الكبير أحمد المنسي، وهانى سرحان، مؤلف الجزء الثانى (عن بطولات شهداء الشرطة( والجزء الثالث بينما أخرج بيتر ميمى الأجزاء الثلاثة وكان الثالث هو مسك الختام لهذه الثلاثية الدرامية والذى قدم قصة إرهاب الاخوان واتباعهم ووصولهم للحكم ومحاولاتهم لارهاب المصريين بكل السبل مما دفعهم للثورة ودعم الجيش المصرى فى الدفاع عن بلدهم والتخلص منهم فى يوم سجله الزمن، وسجله تاريخ العالم أيضا، حين خرج أكثر من ثلاثين مليونا من المصريين فى كل المحافظات للتظاهر وإعلان رفضهم لحكم الاخوان، وبرغم المعاناة وممارسة كل أنواع العنف ضد المتظاهرين إلا انهم. اتفقوا على رفض هذا الحكم، ولعل ما قدمه هذا العمل هو وثيقة تاريخية ومصورة تضاف إلى الوثائق المكتوبة عن ثورة 30 يونيةو، وهو ما يعيدنا إلى تذكر أهمية تقديم الأعمال التى توثق تاريخنا من خلال الدراما التليفزيونية والسينمائية، ومن خلال الدراما الوثائقية وأيضاً التوثيق فقط.
من بوابة الحلوانى.. إلى الجماعة
لعل مسلسل «بوابة الحلوانى» هو أول الاعمال الدرامية التى وثقت جزئا مهما من تاريخنا كان له الكثير من التفاعلات مع الماضى والحاضر، فهو مسلسل عن قصة حفر قناة السويس، وما حدث فيها من صراعات الطبقة الحاكمة بقيادة الخديو إسماعيل، وبين المصريين العاديين الذين ذهبوا لحفرها بالسخرة مع التعرض لما حدث فى مصر طوال فترة حكم هذا الخديوى وحتى انتهاء حكمه اضافة إلى عائلة الحلوانى التى كانت تعيش فى منطقة الفرما التى اصبحت مدينة بورسعيد بعدها كما كتبها محفوظ عبد الرحمن فى اربعة اجزاء، وأخرجها إبراهيم الصحن فى أعوام 1992 «الجزء الأول، وحتى الجزء الرابع والأخير عام 2001»، وفى المسلسل لمع جيل من عظماء التمثيل مثل عبد الله غيـــث وســميرة عبد العزيز وحسن حسنى وصلاح قابيل وليلى طاهر وأسامة عباس وغيرهم، وبعد سنوات لمع أيضا فى اطار التاريخ القريب والمعاصر مسلسل «الجماعة» بجزأيه، للكاتب وحيد حامد عن قصة جماعة الاخوان الارهابية والذى بدأت احداث جزئه الأول بعرض عسكرى لأعضاء الجماعة فى جامعة القاهرة بسبب الانتخابات الطلابية وقتها مع حديث عن مرشد الجماعة وكتابه عن الدعوة والداعية، وقد أخرج الجزء الأول المخرج محمد ياسين وقام اياد نصار بدور حسن البنا مرشد الجماعة وعرض عام 2010، بينما أخرج الجزء الثانى شريف البندارى وعرض عام 2016 وفيه يقدم الكاتب وحيد حامد تطورات الجماعة ومتغيراتها من خلال سيناريو ركز على علاقتها بالملك فاروق، ثم بالرئيس عبد الناصر، وأخيراً بالسادات، وهو ما استلزم فريق من الممثلين زاد عن ثلاثمائة، بعدها ظل وحيد حامد لسنوات يبحث فى الوثائق ليكتب الجزء الثالث والأخير عن الجماعة، ولكنه رحل قبل ان يتحول إلى مسلسل يحتفظ لنا وللتاريخ بما يفعلونه ضد مصر والمصريين، وبالطبع فإنه توجد أعمال درامية أخري، لكنها ليست على اهمية هذه الأعمال الثلاثة التى وثقت وحفظت الكثير من تاريخ مصر الحديث. كل الاحترام والتقدير والشكر لصناع هذه الأعمال وكتابها الذين قدموا وثائق درامية جعلت التاريخ وأحداثه تصل إلى كل مشاهد من خلال لغة الفن، ويالها من لغة مبدعة.