عند غــروب شمس الثالث من يوليو 2013، لم تكن مصــر تكتب بيــاناً فقــط، بل ترســم ملامــح صفحــة جديــدة فى ســجل الدولة الوطنيــة الحديثة، وقف الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع آنذاك، وإلى جواره رموز الدولة والمجتمع من شيخ الأزهر إلى بابا الكنيسة، ومن ممثلى الشباب إلى قادة الأحزاب، ومن رجال القضاء إلى رجال الجيش والشرطة.. ليعلنوا جميعاً، فى مشهد مشهود، بيان خارطة الطريق، ويضعوا حداً فاصلاً بين حكم جماعة لم تفهم روح الدولة المصرية، وبين شعب قرر ألا تختطف ثورته مرة أخرى.
لم يكن بيان 3 يوليو مجرد بيان.. بل كان عقدا جديدا بين الدولة والشعب، وانعكاساً لما حدث قبلها بثلاثة أيام حين خرج أكثر من 33 مليون مصرى إلى الشوارع فى ملحمة شعبية غير مسبوقة فى تاريخ الثورات العالمية، رافعين صوتهم ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين، رافضين الإقصاء والهيمنة والتسلط باسم الدين.
فى لحظة إعلان البيان، تجمعت حول المنصة رموز متباينة فى الرؤية والعقيدة السياسية والدينية، لكنهم جميعاً اشتركوا فى هدف واحد: إنقاذ الدولة المصرية، وكان ذلك تعبيراً حياً عما يمكن تسميته بـ «حلف الضرورة الوطنية»، إذ وقفت المؤسسة العسكرية كضامن لإرادة شعب خرج مطالباً بالخلاص من حكم فاشل، وكانت المؤسسة الدينية «الأزهر والكنيسة» شاهداً ومشاركاً، بينما كان الشباب أشعلوا ثورتى يناير ويونيو فى صدارة المشهد، يؤكدون أن الثورة مستمرة ولكن بوعى جديد.
ما بعد 3 يوليو لم يكن نزهة، فقد واجهت مصر تحديات أمنية واقتصادية ضخمة، من إرهاب فى سيناء إلى ضغوط خارجية، ومحاولات تشويه الصورة، لكن الدولة المصرية أعادت بناء مؤسساتها، واستعادت استقرارها تدريجياً، وبنت جيشاً أقوى واقتصاداً أكثر انفتاحاً، رغم صعوبة الظروف.
وكان لافتاً أن الإرادة الشعبية ظلت حاضرة، تؤيده فى اللحظة الحاسمة، وتذكر الجميع بأن ما تحقق ليس منة من أحد، بل ثمرة نضال شعبى ممتد.
ما حدث 3 يوليو كان وثيقة تاريخية شارك فى توقيعها الشعب قبل أن ينطق بها القادة..
وقد أثبتت الأيام أن الشعوب تعرف طريقها حين تصمم، وأن مصر، فى مفترق الطرق، دائماً تختار البقاء دولة عظيمة مهما كانت التحديات.