شرطة مصر «تتحدث عن نفسها»
اليوم .. «الخامس والعشرون من يناير من عام ٤٢٠٢» .. يصادف مرور اثنين وسبعين عاماً على «معركة الاسماعيلية» .. تلك المعركة التى خاضها رجال الشرطة ضد قوات الاحتلال البريطانى فى «مدينة الاسماعيلية» وظلت «علامة» فى سجلات التاريخ الوطنى.. علامة تبعث على «الفخر» نظراً لما قام به «أبناء مصر» فى تلك الفترة من تصدى وقتال بشرف وبسالة ضد «المحتل الأجنبي» والدفاع عن «الأرض والعرض» .. معركة الاسماعيلية التى وقعت فى الخامس والعشرين من يناير من عام «٢٥٩١» .. صارت منذ ذلك التاريخ «عيداً للشرطة» تحتفل به مصر.
ولأن هناك علاقة وثيقة بين الحفاظ على ثوابت الأمن القومى وبين استلهام واستدعاء واستذكار «التاريخ» .. ولأنه أيضاً هناك «ضرورة» تفرضها المستجدات المتتالية والمتسارعة وكذلك المتغيرات المتدفقة فى المحيط الاقليمى والعالمى .. فلابد مع كل هذه المعطيات والواقع الجديد ان نسرد فى كل مرة «ما حدث وما جرى» .. لكى تعرف «الاجيال» الجديدة .. وتتعرف علي.. حقائق «الماضى» ووقائعه حتى تتمكن من فهم «الحاضر» ومحاولة فك شفرات «المستقبل».
استدعاء «التاريخ» فى «العالم الجديد» الذى يتشكل الآن.. أو تشكل بالفعل.. عالم ما بعد الحرب الروسية الاوكرانية والحرب الاسرائيلية الوحشية على غزة .. استدعاء التاريخ فى «هذا العالم» ضرورة وطنية مهمة فى مواجهة حروب اللاعنف واستهداف «الذاكرة الوطنية» ومحاولات التسلل المريب «عبر وسائل الاتصال والتواصل المختلفة تلك المحاولات التى تسعى إلى تحقيق الاهداف القديمة .. قوى الاستعمار لم تتنازل عن مشاريعها .. الذى تغير هو فقط اللون أو الشكل أو الصورة.
«معركة الاسماعيلية» واحدة من المعارك التى تشير إلى ملاحظة مهمة وذات دلالة عند النظر إلى «موازين القوة» فى حال المقارنة بين مصر وأى قوة أو دولة أو حتى امبراطورية نقف فى الجانب الآخر حيث ان التاريخ أثبت فى «محطات كثيرة» ان هناك قوة أخرى «غير مرئية» أودعها رب الكنانة جل وعلا فى هذه الارض .. هذه القوة هى «السر الكبير» الذى مازال يدهش ويبهر العالم فى كل زمان.
فى معركة الاسماعيلية.. وفق ما جاء فى «موسوعة الشرطة المصرية عبر التاريخ الوطنى» .. وقف ثمانمائة وثمانون رجلاً من الشرطة المصرية لايحوزون سوى «البنادق التقليدية» .. وقف هؤلاء الرجال بكل بطولة أمام «جيش من الانجليز» قوامه ما يقرب من سبعة آلاف جندى متسلحين بالدبابات والمصفحات والمدافع.. استمرت المعركة «ساعتين» دون ان يستسلم هؤلاء الرجال لإرادة المحتل الاجنبى وظلوا يقاومون ويدافعون حتى نفدت ذخيرتهم.
على مر التاريخ.. لم تتوقف القوى الطامعة عن استهداف مصر لكن فى كل مرة تنتصر مصر الكنانة وتصير تلك القوى التى جاءت من هنا أو هناك «أثراً حبيساً» داخل متاحف المحروسة يروى للأجيال صفحات من التاريخ الطويل.. فى معركة الاسماعيلية وقبلها وبعدها.. كانت «الجبهة الداخلية» وتماسكها وترابطها أحد العوامل المهمة فى إجهاض المحاولات الاستعمارية التى لا تتوقف .
أتوقف طويلاً.. أمام ما تقوم به «وزارة الداخلية» فى هذه المرحلة التى تواجه فيها مصر تحديات اقتصادية كبري.. إن الجهات الشرطية المعنية وهى تقوم بالعديد من المبادرات والمشاركات المجتمعية والتى تتضمن تقديم مساعدات عينية للمواطنين وتوفير سلع بأسعار مخفضة .. إن الجهات الشرطية المعنية وهى تقوم بهذه المبادرات والمشاركات المجتمعية .. فهى تقوم بدور «أمنى وطنى مهم» فى لحظة دقيقة يمر بها العالم أجمع.
اليوم نستعيد ونستدعى تاريخ المعركة.. معركة الاسماعيلية .. ليس باعتبارها حدثاً وقع فى الماضى إنما باعتبارها «درسا» نستلهم منه تحليل ما يدور «الان» فى الحاضر سواء فى الاقليم أو العالم .. والاستعداد لما هو قادم .. خاصة ان الاهداف الاستعمارية الموجهة صوب المنطقة أو الاقليم لم تتغير .. هى نفسها التى كانت قبل اثنين وسبعين عاماً بل وقبل «قرون» .. ومن المنتظر أنها ستظل كذلك لسنوات ليست بقليلة.
***
«الداخلية»..
ترفض «الإنذار الإنجليزى»
نحاول فى هذا «الملف» الذى نركز فيه على «السرد التاريخي» لمعركة الاسماعيلية على تقديم هذه المعركة فى مجموعة من الصور.. كل صورة مكملة للأخرى وهذه نقدمها وفق النص التاريخى الذى ورد فى موسوعة الشرطة المصرية عبر التاريخ الوطنى والتى صدرت عن وزارة الداخلية قبل سنوات.
أولى هذه «الصور» تتمثل فى أنه عندما أعلنت مصر فى أكتوبر من عام «١٥٩١» إلغاء معاهدة «٦٣٩١» الموقعة من بريطانيا.. بدأت مواجهات مع قوات الاحتلال البريطانى فى «قاعدة قناة السويس».. وكانت الشرطة أو «البوليس» كما كان يطلق عليه آنذاك كانت الشرطة أحد الاسلحة الاساسية فى التعامل مع الوجود البريطانى فى «القناة» ومن ثم قامت القوات البريطانية فى «القناة» بالتعرض لقوات «البوليس المصري» والاعتداء على أفراده على مدى شهر تقريباً.. وكانت القيادة البريطانية فى منطقة القناة قد استقرت على ضرورة التخلص من وجود البوليس المصرى بحجة أنه هو الذى وراء ترك العمال المصريين عملهم فى معسكرات الجيش البريطانى هناك.
تصاعدت الاحداث بعد ذلك حيث احتلت القوات البريطانية «مدينة الاسماعيلية» والجمارك والجوازات والحجر الصحى والحجر الزراعى فى بورسعيد والاسماعيلية واستولت على خط السكة الحديدية وطلب «الانجليز» من محافظ القناة سحب السلاح من «البوليس المصري» فى الخامس من ديسمبر «١٥٩١» أوفدت وزارة الداخلية كلاً من اللواء مصطفى المتولى قائد منطقة السويس والقائم مقام محمد سرى «مفتش المنطقة» لتولى قيادة منطقة السويس.. وفى طريقهما إلى هناك استوقفهما البريطانيون وطلبوا منهما التوجه إلى مقر القيادة البريطانية لتلقى تعليمات مهمة من القائد الانجليزى الجنرال «آرسكين» تم رفض هذا الطلب فاقترح أحد الضباط البريطانيين أن يتم تعديل الطلب ويتم تسليمهما انذاراً موجها إلى محافظ السويس ابراهيم زكى الخولي.. يطلب الانجليز فى هذا الانذار إخلاء كفر أحمد عبده من سكانه بحجة أن القوات البريطانية تريد ان نشق طريقاً يصل إلى معسكرات الانجليز بمحطة المياه لكن الهدف كان تدمير الكفر الذى كان مأوى للفدائيين الذين أزعجوا الانجليز.
عندما تسلم المحافظ «الإنذار» اتصل بوزير الداخلية حيث تم رفض الانذار وصدر قرار بأن تتولى قوات البوليس حماية كفر أحمد عبده لكن حدث ان البوارج البريطانية قامت بتدمير الكفر والذى يضم مئة وستة وخمسين منزلا يقيم فيها قرابة ألفى مواطن.
***
«الاحتلال» ..
يحاصر مبنى المحافظة
فى يومى الحادى والعشرين والثانى والعشرين من يناير «٢٥٩١» اعتقلت قوات الاحتلال البريطانى مئات من الأهالى وحاصروا منطقة المقابر ونبشوا القبور بحجة التفتيش على الأسلحة وقتلوا خمسة من المصريين فى تلك العملية.. وأصيب عدد آخر فى ليلة الجمعة «الخامس والعشرين» من يناير ٢٥٩١ احتشدت قوات بريطانية ضخمة تدعمها الدبابات والمصفحات والمدافع وحاصرت مبنى محافظة الاسماعيلية وثكنات بلوكات النظام وفى صباح الجمعة الساعة الخامسة والنصف توجه ضابطان بريطانيان إلى منزل البكباشى شريف العبد ضابط الاتصال المصرى وطلب منه مقابلة قائد القوات البريطانية بمنطقة الاسماعيلية «إكسهام» وفى المقابلة قام «إكسهام» بتسليم شريف العبد إنذاراً بتسليم أسلحة جميع قوات رجال بلوكات النظام المتواجدين بالاسماعيلية ومغادرتهم مبنى المحافظة وكذلك الثكنات فى «الساعة السادسة والربع» ورحيلهم عن كل منطقة القناة.
أبلغ ضابط الاتصال المصرى شريف العبد هذا الانذار إلى كل من قائد بلوكات النظام اللواء أحمد رائف ووكيل المحافظة على حلمى فرفضا الانذار واتصلا بوزير الداخلية فؤاد سراج الدين وأبلغاه بالأمر فأيد موقفهما وطلب منهما عدم التسليم بل ومقاومة أى اعتداء يقع على دار المحافظة أو على ثكنات بلوكات النظام أو الاهالى أو رجال البوليس وطلب أيضاً تبليغ ذلك إلى القيادة البريطانية.
**
فى الطريق إلى.. «المعركة»
فى التاسع عشر من يناير «1952» دبر الفدائيون عملية ذكية ضد القوات البريطانية وكانت مدخلاً لمعركة الإسماعيلية.. فقد وضع الفدائيون «لغماً» شديد الانفجار داخل «عربة فاكهة» وارتدى أحد الفدائين زى بائع متجول ووقف ينادى على بضاعته وتعمد أن يرفض البيع للانجليز من أجل اثارتهم حتى إذا تجمع عدد منهم حوله تظاهر بالخوف وترك العربة لهم بعد أن هيأ «اللغم» للانفجار.
بعد لحظات انفجر «اللغم» فى عشر جنود.. وعقب ذلك أعلن الجنرال الانجليزى «آرسكين» إلغاء جميع الاجراءات والتعهدات التى سبق أن أعلنها بشأن اعتبار مدن القناة مناطق محرمة على الجنود الانجليز.. وقال إن القوات البريطانية ستشرع فى احتلال جزء من مدينة الاسماعيلية وأن الدبابات والسيارات المصفحة ستنطلق فى «حى العرب» لتفتيش المنازل بحثاً عن الأسلحة والفدائين الذين ازعجوا القوات البريطانية فى المنطقة.
احتلت القوات البريطانية العديد من المنازل وأخرجت سكانها إلى الشارع بطريقة همجية واعتقلت ما يقرب من ستين شاباً وتم احتلال «مخفر بوليس محمد علي» ومحاصرة «دار الحكمة» ومنعت قوات الاحتلال وصول السيارات إلى تلك المنطقة بهدف «عزلها».
**
«الداخلية» لرجالها.. مقاومة «الاحتلال» حتى النصر
«بنادق المصريين» ..
تتحدى «دبابات العدو»
طلب القائد البريطانى فى الإسماعيلية من قائد «البوليس المصري» تنفيذ الانذار» بتسليم الأسلحة ومغادرة رجال البوليس المصرى المبنى فى محافظة الإسماعيلية والثكنات.. وهدد القائد البريطانى أنه فى حال عدم تنفيذ الانذار فإنه سيتم هدم المبنى على من فيه.
أصر القائد المصرى على رفض «الانذار».. وسرعان ما أخذ الانجليز يضربون دار محافظة الاسماعيلية والثكنات بالمدافع.. فقام رجال جنود البوليس المصرى بالرد على القوات البريطانية.. ورغم عدم تكافؤ القوة حيث كانت قوات البوليس المصرى لا تتجاوز ثمانمائة جندى بالثكنات وثمانين آخرين بمبنى المحافظة واسلحتهم لا تتعدى «البنادق» فى حين كانت قوات الاحتلال البريطانى تبلغ سبعة آلاف جندى مسلحين بالدبابات والمصفحات والمدافع.
استمرت المعركة ما يقرب من الساعتين.. حتى اقتحمت القوات البريطانية الثكنات وأسرت من بقى حياً من الجنود.. اما قوات البوليس بمبنى المحافظة فقد قاومت بشدة اذهلت الانجليز الذين هددوا بنسف المبنى إذا لم تستسلم قوات البوليس المصري.. وهنا يسجل التاريخ العبارة الشهيرة التى قالها اليوزباشى مصطفى رفعت قائد القوة رداً على التهديد البريطاني: لن يستلم البريطانيون منا إلا جثثاً هامدة.
استمرت المقاومة رغم اشتعال النار فى مبنى المحافظة وهدم جزء منه.. حتى نفدت الذخيرة.