استعرضت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، تقريرًا مفصلاً حول “11 عامًا من دور مصر الريادي في العمل البيئي الإقليمي ومتعدد الأطراف”. وأكدت الوزيرة أن هذا التقدم جاء بالتوازي مع الخطوات الواسعة التي اتخذتها مصر نحو تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة، بفضل قيادة سياسية واعية أدركت مبكرًا أن مستقبل الوطن مرتبط بقدرته على صون موارده الطبيعية.
الرؤية الرئاسية: البيئة أولوية وطنية ومحرك للتنمية
شددت الدكتورة ياسمين فؤاد على أن الإنجازات التي حققتها مصر في ملف البيئة على المستويين الوطني والدولي جاءت نتيجة لقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضع البعد البيئي كأولوية وطنية وركيزة أساسية ضمن رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة. هذه الرؤية عكست تحولًا جذريًا في التعامل مع البيئة، من مجرد قطاع خدمي إلى محرك رئيسي للاستثمار الأخضر وتوفير فرص العمل، وأداة فاعلة لمواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والتنوع البيولوجي.
إنجازات بارزة في مواجهة التحديات البيئية العالمية
أوضحت وزيرة البيئة أن تطوير القطاع البيئي في مصر خلال الـ 11 عامًا الماضية شمل إنجازات واضحة في عدة مجالات، بدءًا من تغيير لغة الحوار حول البيئة وتهيئة المناخ الداعم لتحويل التحديات البيئية إلى فرص استثمارية واجتماعية. هذا التحول شكل قاعدة انطلاق قوية لتحقيق قفزات في دور مصر الريادي بمواجهة التحديات البيئية العالمية. من أبرز هذه الإنجازات:
- استضافة COP27: نجحت مصر في استضافة الدورة الـ 27 لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ COP27 في شرم الشيخ، تحت شعار “معًا للتنفيذ”. شارك في المؤتمر أكثر من 50 ألف فرد وكيان، منهم 120 من رؤساء الدول والحكومات. حقق المؤتمر نجاحًا تاريخيًا في إدراج بند الخسائر والأضرار لأول مرة في أجندة مؤتمرات المناخ، وتم تفعيل صندوق لتمويلها في مؤتمر المناخ التالي COP28 بدبي. كما تم الانتهاء من التفاوض على البند 6 الخاص بسوق الكربون، وتمهيد الطريق للهدف العالمي للتكيف والتمويل.
- دور دولي في ملف المناخ: لعبت مصر دورًا دوليًا هامًا في تسيير المناقشات المتعلقة بآليات تنفيذ اتفاقية المناخ، خاصة نيابة عن الدول النامية. ترأست وزيرة البيئة المصرية مع السويد المفاوضات الوزارية حول تمويل المناخ خلال COP26، ثم ترأست مع نظيرها الكندي مهمة تيسير المفاوضات الخاصة بتمويل المناخ وآليات التنفيذ (نقل التكنولوجيا وبناء القدرات) خلال COP28. وفي COP29 بأذربيجان، تولت مع نظيرها الأسترالي مهمة تسيير مشاورات الوصول لهدف تمويل مناخي جديد وشفاف ومتوازن وقابل للتطبيق، مما ساهم في مضاعفة التمويل المقدم للدول النامية ثلاث مرات، ليصل إلى 300 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2035.
الريادة في التنوع البيولوجي والعمل العربي والأفريقي
- التنوع البيولوجي: أشارت وزيرة البيئة إلى نجاح مصر خلال رئاستها للدورة الرابعة عشر لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي COP14 (2018-2021) في توحيد الجهود لصياغة مسودة الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد 2020. كما أطلق الرئيس السيسي دعوة عالمية للربط بين مسارات اتفاقيات ريو الثلاث (المناخ، التنوع البيولوجي، التصحر). وتم إطلاق المبادرة المصرية العالمية للحلول القائمة على الطبيعة ENACT بالشراكة مع ألمانيا والاتحاد الدولي لصون الطبيعة IUCN. تم اختيار وزيرة البيئة المصرية كعضو في صندوق التمويل للإطار العالمي للتنوع البيولوجي، واختيار مصر لوضع مقدمة تقرير تمويل التنوع البيولوجي الجديد 2024 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
- البيئة العربية: أكدت الوزيرة أن مصر لم تغفل دورها في ملف البيئة العربي، خاصة مع رئاستها للدورة الـ 32 لمجلس وزراء العرب المسؤولين عن البيئة، حيث تم التوصل إلى قرارات هامة منها إقامة منصة عربية للإنتاج والاستهلاك المستدام وإنشاء المنتدى العربي للبيئة. كما ترأست مصر المكتب التنفيذي لمجلس وزراء البيئة العرب لعامي 2022-2023، وستتولى منصب الرئيس التنفيذي للدورة (59) للمكتب لعامي 2024/2025. استضافت مصر أول منتدى عربي للبيئة عام 2022، وتم تعيين وزيرة البيئة ممثلة لمصر كعضو في المجلس الوزاري لـ “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”.
- القيادة الأفريقية: لعبت مصر دورًا رائدًا في توحيد صوت القارة الأفريقية ومساعدتها على صياغة احتياجاتها بوضوح، خاصة مع تولي مصر رئاسة مؤتمر وزراء البيئة الأفارقة (2015-2017) لتوحيد الرؤى الأفريقية في مفاوضات اتفاق باريس عام 2015. تولى الرئيس السيسي رئاسة لجنة رؤساء دول وحكومات أفريقيا المعنية بتغير المناخ (CAHOSCC). وساهم الدور الأفريقي المتنامي لمصر في استضافتها لمركز التميز الأفريقي للمرونة والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ للنيباد.
تطوير المحميات الطبيعية وصون التنوع البيولوجي محليًا
شهدت المحميات الطبيعية في مصر طفرة كبيرة في مجال التطوير والتأهيل، حيث قامت وزارة البيئة بتحسين البنية التحتية وتطوير مراكز الزوار في 13 محمية طبيعية. يهدف ذلك إلى تقديم تجربة سياحية بيئية فريدة، تحقيق الاستفادة الاقتصادية من موارد المحميات، مع الحفاظ على طبيعتها ودمج المجتمعات المحلية.
تم تطوير محميات مثل “رأس محمد”، و”وادي الجمال”، و”حنكوراب”، و”الدبابية”، و”وادي الريان”. شملت الأعمال تطوير خدمات الزوار، وإنشاء مراكز معلومات ومطاعم بيئية، وتوفير أدوات السنوركلينج، بالإضافة إلى إطلاق تجربة العربات الكهربائية لأول مرة في محمية نبق.
أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد على أهمية دمج المجتمع المحلي، حيث تم تطوير قرية الغرقانة ضمن مشروع “جرين شرم” لتحسين حياة السكان وإشراكهم في صون المحميات. كما تم إدراج محميتي رأس محمد ووادي الحيتان ضمن القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN).
بذلت الوزارة جهودًا كبيرة لحماية التنوع البيولوجي، فشاركت مصر بفاعلية في المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات (UNOC3) ومؤتمر الأطراف لاتفاقية التنوع البيولوجي (COP16). تم تتويج مشروع صون الطيور الحوامة المهاجرة كأفضل ممارسة بيئية عالمية، وحازت مصر على جائزة اتفاقية “الأيوا” لحماية الطيور المهاجرة لأول مرة.
على المستوى المحلي، تم تحديث الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي، وإعداد خطة تمويل وطنية، وشهدت المحميات الطبيعية تطويرًا نوعيًا، شمل إعداد واعتماد خطط إدارة وتمنطق لعدد من المحميات. كما تم وضع خطط لرصد الأنواع المهددة وبرامج إنقاذ ناجحة للسلاحف البحرية، بالإضافة إلى إطلاق مشروع “الغردقة خضراء” واستراتيجية للحفاظ على التنوع البيولوجي بمدينة شرم الشيخ.
الإدارة المتكاملة للمخلفات والسياحة البيئية
- إشراك المجتمعات المحلية: نفذت وزارة البيئة خطوات بارزة في إشراك المجتمعات المحلية بجهود صون الموارد الطبيعية داخل المحميات، من خلال دعم الأنشطة الحرفية وتوفير فرص عمل مستدامة وزيادة دخل السكان بنسبة تتجاوز 400%.
- السياحة البيئية: تم اعتماد شرم الشيخ كأول مدينة مصرية ضمن شبكة المدن المستدامة، وإطلاق مشروع “جرين شرم” لتحويلها إلى نموذج للسياحة المستدامة. نمى دخل المحميات بنسبة تفوق 40% خلال عام 2024/2025 مقارنة بالعام السابق، وبنسبة تتجاوز 2731% مقارنة بعام 2017/2018، حيث ارتفع عدد المشروعات من 10 في 2016 إلى 247 مشروعًا حاليًا.
- الإدارة المتكاملة للمخلفات: شهد قطاع المخلفات تطورًا كبيرًا بإنشاء جهاز تنظيم إدارة المخلفات وإصدار أول قانون شامل للمخلفات رقم 202 لسنة 2020. تم إنشاء 23 محطة وسيطة ثابتة، 14 محطة وسيطة متحركة، و4 مصانع تدوير، و36 مدفن صحي. كما تم إطلاق النظام الوطني لإدارة البيانات WIMS، وتعزيز إشراك القطاع الخاص. بدأت الدولة تنفيذ مشروعات تحويل المخلفات إلى طاقة، منها محطة أبو رواش بطاقة استيعابية 1200 طن/يوم، وتنفيذ أول وحدة بتكنولوجيا Gasification بقرية قلهانة بمحافظة الفيوم. في عام 2025، تم إطلاق تطبيق (E-Tadweer)، والموافقة على تشغيل 31 مصنعًا لإعادة التدوير، والتخلص من آلاف الأطنان من المخلفات الخطرة والإلكترونية. حققت الوزارة تقدمًا في إدارة وتدوير المخلفات الزراعية، بجمع نحو 1.2 مليون طن قش أرز عام 2024، وتوقيع بروتوكول لإنشاء وحدة صناعية لإنتاج الخشب المضغوط من سعف النخيل، والتوسع في إنتاج الغاز الحيوي بإنشاء 1921 وحدة بيوجاز منزلية.
التوجه نحو مستقبل خالٍ من التلوث البلاستيكي
أوضحت الدكتورة ياسمين فؤاد أن مصر تشارك بوفد تفاوضي قوي في اللجنة التفاوضية الحكومية الدولية (INC) المعنية بالتفاوض حول صك قانوني ملزم للحد من التلوث البلاستيكي. هذا يعكس التزام مصر بالجهود العالمية لمواجهة هذا التحدي الذي يهدد الحياة على الكوكب.
وتابعت وزيرة البيئة أن مصر ستستكمل دورها الإقليمي والدولي، ومن أهم الخطوات القادمة الاستعداد لاستضافة مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين لاتفاقية برشلونة لحماية البيئة البحرية والمنطقة الساحلية للبحر الأبيض المتوسط، المقرر عقده في ديسمبر 2025، مما يبرز دور مصر في إدارة ملف المناطق الساحلية والحفاظ على الموارد الساحلية والبحرية.