لابد أن نغادر فورا محطة الفهلوة ونتجه مباشرة ودون مقدمات إلى محطة العمل والإنجاز، لابد وأن تتوقف سياسة اللقطة وفلسفة التمثيل والادعاء الكاذب بأننا مثاليون، فما جرى ويجرى بطول البلاد وعرضها من عمل دءوب وجهد خارق لتغيير واقع الناس وتدشين جمهورية جديدة لم يواكبه الجهد الكافى لتغيير السلوك الجمعى للناس تجاه قضايا وأمور كلاسيكية لا تحتمل التأجيل.
>>>
لقد سادت ثقافة الفهلوة وتجذرت وبات لها منظرون وحواريون ومبررون وصارت هى عنوان العقود الماضية وللأسف وصلت مناهجها إلى كل المجالات بدءا من الأسرة وصولا إلى العديد من المؤسسات التى لا تحتمل وجود هذه الثقافة بين جنباتها، انظر إلى الطرق وما يجرى عليها من اختراقات سلوكية، أمس كنت فى جولة مع وزير النقل الفريق كامل الوزير على الطريق الدائرى الإقليمي.
>>>
وخلال أربع ساعات كانت حصيلة المخالفات 900 مخالفة على هذا الطريق فقط!! وتم أخذ عينات من 20 سائقاً وكانت النتيجة حالتين إيجابيتين، أى ان 10 ٪، من السائقين يتعاطون المخدرات! حالة من الفوضى السلوكية تحتاج إلى وقفة جادة، بيد أننى أتذكر محاولات الغش الجماعى ومحاولات تسريب الامتحانات والوقوف أمام اللجان بمكبرات الصوت لحل الامتحانات وسط فرحة غامرة من الآباء والامهات والأهالى والقيادات الشعبية والمحلية والعمد والمشايخ والمعلمين.
>>>
أيضا هى قمة ثمار الفهلوة والواسطة والمحسوبية والاهمال والانامالية وكل هذا مرتبط بما يجرى على الطريق، من هنا ظهرت لدينا ثقافات متراكمة من الفوضى فالتلميذ الغشاش سينجح وهو لا يستحق النجاح ويكبر ويصير مدينا لفلسفة الغش التى أوصلته الى الجامعة وأدخلته سوق العمل وكونت له عش الزوجية وحقق ما يريد من خلال عبوره الرشيق على جسر الفهلوة فلن يستمع إلى مواعظنا وارشاداتنا ومقالاتنا، فجماعية الفهلوةُ جعلت عكسها منبوذا وخارج السرب.
>>>
فالفهلوة للأسف منتشرة فى كافة مناحى الحياة، حتى إذا حاول أحدهم التوبة والعودة إلى تعاليم الله يبحث عن واسطة بينه وبين الخالق الأعظم ثم يبحث عن كارت توصية كى يذهب لأداء الحج أو العمرة! حالة انفصام مجتمعى بين ما نردده أمام الناس وما نفعله بيننا وبين أنفسنا، ونحن نقرأ كثيرا قوله تعالى «لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» وإذا تجرأ أحدنا وهاجم تلك السلوكيات السلبية وإذا خرج احدهم ليدعوا الناس إلى إتقان العمل وعدم «التزويغ» مثلا ستجد ألسنة طويلة تهاجمك وتتهمك بما لا يليق وبأنك لا تعرف اوجاع الناس، وإذا رفعت لواء الصبر على المكاره وارتفاعات الأسعار والآثار السلبية للأزمة الاقتصادية ستجد اللعنات فوق رأسك، فكيف تتجرأ وتطلب من الناس ان يربطوا على بطونهم من أجل المستقبل، بيد أن هؤلاء ينافقون العوام، والعوام هنا فى مأزق من جراء هذه التناقضات.
>>>
وهنا أتذكر قوله تعالى «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ»، ما هذا العبث الذى أصاب مجتمعنا؟ وما هذا الكم من العطب الذى ضرب مفاصلنا؟ هذه الثقافة الخربة تحتاج إلى احلالها بثقافة جديدة محترمة تليق بحضارتنا وتاريخنا وثوابتنا التى تحولت إلى متغيرات، فلتخرج نخبنا وأحزابنا ومؤسساتنا ومفكرونا من قمقم الإنكار إلى أفاق المواجهة الثقافية للفهلوة وأخواتها.