يؤمن السفير محمد العرابى رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية ووزير الخارجية الأسبق بأنه لا بديل عن وجود رؤية عربية موحدة خاصة أن التحديات التى تواجهها المنطقة الآن غير مسبوقة، وتتطلب وحدة الصف والموقف، ويطالب بالتحرك سريعاً فى هذا الاتجاه.
العرابى يؤكد أن النموذج المصرى فى علاقاته الخارجية فرض نفسه، بل وهناك دول كثيرة بدأت فى اللجوء إلى هذه التجربة فى علاقاتها الخارجية لأنها أثبتت نجاحاً وحمت الأمن القومى المصرى وحافظت على علاقات متوازنة مع الجميع.
العرابى يؤكد أن الوضع المضطرب فى المنطقة والنيران التى تحيط بمصر من كل اتجاه بسبب الأوضاع فى دول الجوار تفرض على مصر تحديات ضخمة، لكن القيادة السياسية كانت مدركة لهذه التحديات مبكراً واستعدت لها بما يحمى الدولة ومقدراتها وأمنها.
وزير الخارجية الأسبق فى حوارً: لـ«الجمهورية» يكشف حقيقة الموقف الأمريكى من دعم إسرائيل، ولماذا كان يتوقع أن تستخدم الفيتو لمنع فلسطين من حق العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة ويجيب عن السؤال الخطير.. هل نحن فى الطريق إلى حرب إقليمية.
وفيما يلى نص الحوار:
> كيف ترى المنطقة الآن؟
>> المنطقة للاسف فى حالة غير مسبوقة حدودنا كلها مشتغلة بسبب ما تعانيه دول الجوار ونعيش فى إقليم مضطرب، تسوده أشياء كثيرة كانت غير معهودة من قبل، حروب أهلية وصراعات ودول تعانى الفوضى ودول القوة الفاعلة فيها ليست مؤسسات الدولة الوطنية.. وميليشيات أو جماعات تحارب وهى أكبر احياناً من الدول نفسها.. ثانياً التدخلات الأجنبية الموجودة فى الإقليم سواء كانت من دول إقليمية تحيط بنا أو من دول كبرى لها مناطق نفوذ داخل الإقليم الذى نعيش فيه وهذا الوضع الذى نعيش فيه غير مسبوق اضافة إلى ذلك فكرة ان هناك توحشاً إسرائيلياً فى التعامل مع القضية الفلسطينية ووجود قدر من الأسلحة الجديدة العابرة للحدود تستطيع ان تصل إلى اطراف كثيرة من الإقليم بكل سهولة وهو أسلوب جديد فى التعامل العسكرى مع القضايا الموجودة فى الإقليم يفرض علينا تحديات كثيرة.
أيضاً قضية المياه هناك دولاً أخرى تعانى منها مثل العراق وسوريا ولبنان وبالتالى أصبحت أمراً صعباً للغاية موجودة فى الدول العربية والإقليم الذى نعيش فيه.
كذلك موضوع تغير المناخ وتأثيره علينا ولذا فنحن عرضة لأشياء كثيرة ولكن السمة الأساسية الذى يعانى منها الإقليم اطالة امد الازمات ولا توجد أزمة يتم حلها وكل شيء عابر للحدود وهاتان الصفتان الاساسيتان اللتان تحكمان الإقليم حالياً.
بجانب الإرهاب العابر أيضاً للحدود والازمات الاقتصادية والأمراض والآثار الاقتصادية وبالتالى فنحن أمام وضع له محددات جديدة ويتطلب إستراتيجيات جديدة أيضاً للتعامل مع هذه المحددات.
وهنا لا بد أن نعترف بأن القيادة المصرية من البداية لديها رؤية واضحة لهذه التحديات ولذلك استعدت لها وعملت على دعم قدرات الدولة حتى نكون قادرين على المواجهة، وهذا ما حدث بالفعل، تحديات كثيرة لو لم نكن جاهزين لها لواجهنا مشكلة كبيرة.
> ما رأيك وإلى أين تتجه الحرب الإسرائيلية بعد مرور أكثر من 200 يوم على جرائمها بغزة؟
>> من الواضح بعد 7 أكتوبر وحتى الآن ان هناك سقفاً للأمور، فمن قائل هناك حرباً اقليمية وشاملة ستقع ولكن لا أرى ذلك فهناك سقف للتعامل العسكرى مع الأوضاع فى الإقليم الذى نعيش فيه وهناك مبدأ الردع موجود ولكن هناك الفعل ورد الفعل أو الهجوم ورد فعله فى إطار سقف أقول متعارف عليه ولكن هذا السقف مبنى على فكرة ان كل الأطراف لا تريد توسيع رقعة الحرب والصراع فهناك قناعة متفق عليها ضمنيا وليس اتفاقات موقعة ان كل طرف يريد ان يبقى على الإقليم فى حالة من عدم اتساع مساحات الصراع وعمليات التدمير الشامل لبعضنا البعض.
> لكن التصعيد الإسرائيلي- الإيرانى من الواضح أنه قد يتجاوز هذا؟
>> أعتقد لن يحدث، سوف يظل فى السقف المتفق عليه ضمنيا وليس صراحة بأن الأمور يجب ان تكون فى إطار من الاحكام لعدم تطور الموضوع وخروجه على السيطرة فى الفترة القادمة وهذا قد لاحظناه خلال الفعل ورد الفعل بالنسبة لإيران وإسرائيل مؤخراً لأن ذلك نمط جديد، وإذا كانت هناك علاقة بين حزب الله وإسرائيل كانت تسير فى نفس النمط منذ سنوات ولكن هذا نمط جديد لأنه مؤكد أن إسرائيل لأول مرة تشتبك مع دولة غير عربية وفى حدود دولة غير عربية وبالتالى يبدو ان ذلك سيكون النمط السائد خلال الفترة القادمة.
> البعض يتحدث عن أننا أمام حرب اقليمية وشيكة؟
>> دائماً أرى أن سياسات حافة الهاوية أصبحت غير قائمة فى الإقليم الذى نعيش فيه وبالتالى لا أرى أن هناك خروجاً عما هو متفق عليه ضمنيا بان الأمور تسير فى إطار من الاحكام وفى نفس الوقت عدم التهور فهناك قناعة قوية جداً بخطورة التأثير الاقتصادى الباهظ على أى طرف يحاول القيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق فمن المؤكد أن أى صاروخ ينطلق من أى دولة له تبعات اقتصادية على هذه الدولة بشكل كبير وبالتالى أرى أننا لن نتطور أكثر مما نحن فيه.
> مصر تلعب دوراً كبيراً فى التهدئة.. فكيف ترى هذا الدور؟
>> الدور المصرى منذ 7 أكتوبر له ثلاثة مجالات إستراتيجية الأول الحفاظ على القضية الفلسطينية وهو أمر مهم جداً فمصر ترى ان سياستها الحفاظ على الأرض والشعب ولم تحد عنه على الاطلاق ويأتى عقب هذا المبدأ عدة تفاصيل مثل رفض النزوح ورفض العملية العسكرية الإسرائيلية فى رفح الفلسطينية ورفض التهجير القسرى للفلسطينيين فهذا أول إطار إستراتيجى مصر عملت عليه للحفاظ على القضية الفلسطينية وهذا مهم جداً.
الإطار الثانى هو محاولات التهدئة أنه موضوع مهم للغاية أيضاً بهدف تقليل المعاناة والقتل ضد الشعب الفلسطينى البطل الموجود فى غزة.
المحور أو الإطار الثالث الإستراتيجى المهم هو المعونات الإنسانية ونلاحظ هنا أن البعض يحاول ان يقتصر الدور المصرى فى موضوع المعونات الإنسانية فقط وهو كلام فيه اجحاف للدورالمصرى فمصر تعمل فى ثلاثة أطر مهمة جداًً واهمها هو الحفاظ على القضية الفلسطينية وعقب ذلك عملية التهدئة ثم عمليات الاغاثة التى تمثل أمراً ضرورياً فى الفترة القادمة.
> هل يمكن أن تنجح المساعى المصرية فى تحقيق التهدئة؟
>> إسرائيل تتحرك ما بين إطارين، إطار محاولة تحقيق أهدافها من العملية العسكرية التى تقوم بها وبالتوازى معها إطار الحفاظ على العلاقة مع مصر وعدم التضحية بها وهى تحاول ايجاد توازن بين هذين الإطارين ان تحقق أهدافها إلى حد ما وهى بالطبع لن تحقق أهدافها خاصة موضوع حماس فلا يوجد شيء يسمى القضاء على حماس ولا يوجد شيء يسمى بالإفراج عن الرهائن بالقوة فالرهائن الذين اطلق سراحهم حتى الآن خرجوا بالتفاوض من خلال دور مصر وقطر.
> ما المخاطر التى تواجه مصر الآن؟
>> المخاطر هائلة فهناك أربعة اتجاهات إستراتيجية محتدمة الشمال والجنوب والشرق والغرب فهذه تحتاج طاقة وإبداعاً سياسياً وحكمة فى القيادة لا تستطيع ان تتعامل مع أربعة اتجاهات ففى أى كلية حرب فى العالم كله عندما تتعرض دولة لهجوم من أربعة اتجاهات عليها ان تحيد ثلاثة وتواجه واحدة فقط لكن نحن ليس لدينا هذه الرفاهية بل علينا أن تتعامل مع الاتجاهات الأربعة بنفس القوة والكفاءة والسرعة وهذا تم أو يتم بالإضافة إلى الاتجاه الإستراتيجى الاهم وهو تجاه التنمية وهو مهم جداً للمجتمع المصرى ولا تستطيع ان تغفله وبالتالى فهناك أعباء إستراتيجية كثيرة جداً تحملها الدولة والقيادة السياسية من أجل الحفاظ على الأمن القومي، كما أن مواجهة الاخطار الإستراتيجية مكلفة أيضاً وبالتالى ضغط اقتصادى كبير جداً.
> كيف ترى التعامل المصرى مع ملف السياسة الخارجية؟
>>كان أول بند فى خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد أداء اليمين هو السياسة الخارجية وهذا ادراك منه بأن السياسة الخارجية ملف غاية فى الأهمية بل هو خط الدفاع الأمامى عن الأمن القومي.
كما تعلم القيادة السياسية أهمية إقامة علاقات خارجية متوازنة والتحرك الحكيم، وهو ما تقوم به بالفعل فمصر تحظى بمصداقية واحترام من كل القوى بسبب سياستها المتوازنة وأنها ركيزة أساسية فى تحقيق السلام والاستقرار وليست طرفاً فى صراع، وهذا أمر غاية الأهمية وبالطبع فان أجهزة الدولة تعمل مع بعضها البعض فى هذه الملفات بتنسيق كامل وهذا أيضاً جزء من النجاح الذى تقوم به السياسة الخارجية.
> الأمن القومى المصرى يواجه تحديات عديدة كيف ترى التعامل معها؟
>> هذه تجربة تحتاج دراسة عميقة جداً لكى تعرف أن تتحرك فى إطار التوازن الدقيق جداً ما بين المصالح والمبادئ فلديك مصالحك التى تعلمها وتعرفها جيداً مع كل دول العالم وكيفية ان تراعيها ولكن فى نفس الوقت لا تتخلى عن مبادئ القانون الدولى ولا القانون الدولى الإنسانى ولا ميثاق الامم المتحدة إضافة إلى الثوابت الأساسية للسياسة الخارجية المصرية التى تتمثل فى عدم التدخل فى شئون الآخرين وهى سياسة أخلاقية إلى حد كبير جداً وبالتالى فان أمورك لها مبدأ ثابت تتحرك فى إطاره وهو فى حد ذاته يعتبر نجاحاً وأؤكد ان دولاً أخرى بدأت تحاول أن تأخذ النموذج المصرى فى التعامل فى ملف وعلاقاتها الخارجية وتقتدى بهذا النموذج لأنه نموذج ملهم ونحن مقبلون على القمة العربية فى المنامة ونتمنى أن تصل إلى رؤية موحدة تجاه القضايا والتحديات التى تواجه الأمة.
> هل انتهى سيناريو التهجير للفلسطينيين أم ما زال قائماً؟
>> الشعب الفلسطينى قال كلمته ورفض فعندما نرى حجم الدمار والمعاناة وتمسك المواطنين بالأرض فهو شيء لم يحدث فى التاريخ فهناك مدن دمرت فى الحرب العالمية الثانية وتركها أهلها بكل سهولة فى اماكن كثيرة ولكن الشعب الفلسطينى اثبت موقفاً خارقاً وبالتأكيد فكرة التهجيز موجودة وعلى سبيل المثال عندما تطرح فكرة أن تبنى ميناء فى غزة وبالتالى سوف يكون هناك بعض التشجيع للفلسطينيين بأن يتوجهوا إلى قبرص أو أمور من هذا القبيل ولكن أرى أن الشعب الفلسطينى قال كلمته فى هذا الموضوع ولكن إسرائيل ومعها قوى أخرى ترى أن حل القضية الفلسطينية عن طريق التهجير فالشعب الفلسطينى يعى تماماً هذه الفكرة ويتمسك بأرضه بعد المعاناة التى يواجهها والتى لا يطيقها بشر فهناك صمود أمام الجوع ولا يوجد رعاية طبية والعالم كله اعترف وأقر بالإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل.
> هل توقعت الفيتو الأمريكى فى مجلس الامن ضد مشروع القرار الخاص بعضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة؟
>> كنت أتوقع الفيتو الأمريكى فنحن كدبلوماسيين لدينا قراءة كاملة للموقف الأمريكى بمختلف جوانبه فالولايات المتحدة ترى أن أمن إسرائيل موضوع منته ولا يمكن ان تتخيل ان أمريكا يمكن ان تتنازل عن ذلك واى دبلوماسى أو سياسى واقعى يعلم هذه المحددات فالفيتو الأمريكى كان متوقعاً ولم يكن مفاجئاً بالنسبة لى ولكن فى النهاية أمريكا أصبح لها وجهان فى التعامل مع هذا الموضوع اليوم يوقعون عقوبات على كتيبة إسرائيلية قامت بمجازر فى الضفة الغربية وفى نفس الوقت يقولون إن القضية الفلسطينية يجب ان تكون عن طريق المفاوضات والمباحثات والأسس السياسية ولا يوجد داع ان نعطى فلسطين العضوية الكاملة فهم لديهم منهج محدد لن يحيدوا عنه قد يكون اختلاف الرؤساء احياناًً يؤثر على طريقة التعامل مع القضية الفلسطينية ولكن الأهداف واحدة فلا يوجد رئيس أمريكى يأتى يمكن أن يتخلى عن أمن إسرائيل حتى الرئيس القادم الذى لا نعلم من سيكون.
> التعاون المصري- التركى كيف تراه وهل يمكن ان يلعب دوراً فى انهاء أزمات المنطقة؟
>> القوتان لديهما قدر كبير من النفوذ فى الإقليم فى المرحلة الحالية وتستطيعان أن تضيفاً قدراً من الاستقرار على الإقليم لأن هناك مشاكل معينة تتطلب ان تكون هناك رؤى موحدة للدولتين.
> كيف ترى العلاقات المصرية الافريقية؟
>> علاقات متطورة جداً وانجزنا أشياء كثيرة للغاية عن طريق التعاون الثنائى مع دول كثيرة من خلال المشاريع المشتركة وإرسال الخبراء والمدرسين والطيران التجاري.
> وماذا عن العلاقات المصرية الأمريكية؟
>> لها طبيعة قديمة فيها صعود وهبوط فالولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى ومصر دولة كبرى فى الإقليم فاحيانًا يكون هناك بعض عدم التوافق فى الآراء وليس المصالح فقط، فأمريكا لا تستطيع الاستغناء عن مصر لأنها مصدر قوة فى تحقيق الاستقرار، والكل يلجأ إليها وهى الدولة الوحيدة التى لم تستغل القضية الفلسطينية من أجل تحقيق أجندة أو مآرب خاصة لها .
> ماذا عن الشراكة المصرية- الأوروبية الإستراتيجية الشاملة؟
>> كلمة السر وراءها الاستقرار فاستقرار مصر وثباتها داخل حدودها هو الذى أدى إلى أن العالم ينظر إلينا بنظرة مختلفة وأيضاً دور مصر الفاعل فى القضية الفلسطينية وبالتالى فمصر أثبتت فعالية دورها فى إطار من الالتزام وعدم الاستغلال فلم تستغل أى قضية فكل ذلك كان مثار تقدير من الجانب الأوروبي.
> ما تصورك للخطوات القادمة؟
>> أعتقد انه يجب ان تكون هناك رؤية عربية موحدة وأرى اننا نحتاج تماسكا عربيا أكبر فى الفترة القادمة لأن التحديات كبيرة جداً والمخاطر كثيرة.
> حدثنا عن جهود المجلس المصرى للشئون الخارجية والتعاون مع المجالس الأخرى على مستوى العالم؟
>> أرى أن هذا المجلس اداة يجب ان تستثمر بشكل أكبر من جانب الدولة فنحن نقوم بنشاطنا ولكن فى النهاية يمكن ان تمثل المسار أو الذراع الثانية للعمل الدبلوماسى وهو ما يحدث فى دول كثيرة، فهو مؤسسة مجتمع مدنى دوره متنام ومتزايد فى العالم كله وبصفة خاصة خلال شهر سبتمبر المقبل هناك قمة المستقبل سوف تعقد على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة فى نيويورك.. ومنظمات المجتمع المدنى لها دور كبير جداً فى إرساء ميثاق لقمة المستقبل ولديناخبرات واسعة جداً موجودة من مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والعسكرية والإعلامية.