استعرضت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، جهود الوزارة في التصدي لآثار التغيرات المناخية والتصحر في أفريقيا، وذلك خلال مشاركتها في اجتماع لجنة الشئون الأفريقية بمجلس النواب برئاسة الدكتور شريف الجبلي.
وأكدت الوزيرة على سعي مصر لمواجهة التحديات البيئية على مستوى القارة وتحويلها إلى فرص لتحقيق تنمية مستدامة واقتصاديات قادرة على الصمود، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمار البيئي والمناخي وتحقيق الاستدامة، مع بحث سبل الاستفادة من صندوق الخسائر والأضرار في أفريقيا.
وفي بداية الاجتماع، قدم النواب التهنئة للدكتورة ياسمين فؤاد بمناسبة توليها منصب المدير التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وهو المنصب الذي يعكس جهودها الممتدة لسنوات في خدمة قضايا البيئة على الصعيدين المحلي والدولي.
ووصف النواب هذا التعيين بأنه خطوة جديدة تفتخر بها مصر أمام العالم، مؤكدين على ثقتهم في أبنائها من ذوي الخبرة والكفاءة. من جانبها، أعربت الوزيرة عن امتنانها لثقة القيادة السياسية، وعن عزمها على خدمة مصر والقارة الأفريقية في مواجهة التحدي الملّح المتمثل في قضية التصحر.
وأشارت الدكتورة ياسمين فؤاد إلى أن اتفاقيات ريو الثلاث (اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) قد نشأت في تسعينيات القرن الماضي.

وأوضحت أن الدكتور مصطفى كمال طلبة، المدير الأسبق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، كان له دور محوري في تأسيسها، كما يُعد الدكتور أحمد القصاص رائدًا في إدخال قضية التصحر ضمن ملفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
واستطردت الوزيرة قائلة إنه على الرغم من انعقاد مؤتمرات أطراف منفصلة لكل اتفاقية على مر السنين، والتي تشرفت مصر باستضافة مؤتمرين منها، إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال رئاسة مصر لمؤتمر التنوع البيولوجي COP14، أطلق نداءً قويًا للعالم يؤكد على ضرورة الربط بين مسارات هذه الاتفاقيات الثلاث لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المنشودة.
وفيما يتعلق بمواجهة تغير المناخ وموجات الطقس المتطرفة، أكدت الوزيرة أن مصر اتخذت عدة إجراءات مهمة في هذا الصدد، من بينها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 وخطة المساهمات المحددة وطنيًا.
وقد حققت مصر بالفعل أهداف خفض الانبعاثات في قطاعات الكهرباء والبترول والنقل خلال الفترة من 2018 إلى 2022، وهو ما ظهر بوضوح في تقرير الإبلاغ والشفافية الأول الذي قدمته مصر في عام 2024.
وقد تزامن ذلك مع التوسع في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة وحماية السواحل والتكيف مع آثار تغير المناخ.
وأوضحت وزيرة البيئة أن الحفاظ على التنوع البيولوجي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقضايا تغير المناخ والتصحر، وهو ما دفع إلى إطلاق المبادرة الرئاسية للربط بين الاتفاقيات الثلاث والتوجه نحو تنفيذ مشروعات تعالج أكثر من تحدٍ في آن واحد.
وذكرت مثالًا على ذلك بتجربة مصر في حماية السواحل في عدد من محافظات الدلتا والمناطق الساحلية المهددة بارتفاع منسوب سطح البحر، حيث تم تبني حلول قائمة على الطبيعة مثل بناء الحواجز.
وقد ساهم ذلك في الحفاظ على خط الساحل وتثبيت الكثبان الرملية وحماية سبل عيش المجتمعات المحلية، وهو ما يحقق هدف التكيف مع تغير المناخ وينعكس إيجابًا على صون التنوع البيولوجي، وذلك بالتعاون مع وزارة الموارد المائية والري.
وأشارت إلى أنه تم بناء حواجز بطول حوالي 80 كيلومترًا في مختلف المحافظات بتكلفة تقدر بـ 7 مليارات جنيه منذ عام 2017، مما جعل مصر تحتل المرتبة الأولى في أفريقيا في مجال ابتكار الحلول القائمة على الطبيعة بمشاركة السكان المحليين.
ولفتت الوزيرة إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر قد نشأت خصيصًا من أجل أفريقيا، وقد انضم إليها العديد من دول العالم، مما يعكس حجم التحدي الذي يواجه القارة.
وأكدت أن إطلاق المبادرة الأفريقية للتكيف، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي باسم المجموعة الأفريقية في مؤتمر باريس للمناخ عام 2015، يمثل خطوة هامة لتوحيد صوت القارة الأفريقية وتمكينها للمرة الأولى من صياغة احتياجاتها بوضوح.
وقد عكست المبادرة الاحتياجات الحقيقية للقارة لتحقيق التكيف، ومن أهمها الأمن الغذائي ومكافحة التصحر والتوسع في الأراضي الزراعية. وقالت: “التصحر تحدٍ عالمي يؤثر على الأمن والاستقرار”، مشيرة إلى أنه تحول من قضية فنية إلى قضية سياسية واجتماعية واقتصادية.
وأكدت الدكتورة ياسمين فؤاد على الدور الهام الذي تلعبه مصر على المستويين الإقليمي والعالمي، حيث سعت إلى حشد أول تمويل لمشروعات الأمن الغذائي لمنطقة شمال وشرق أفريقيا، والذي أصبح يمثل أولوية عالمية في ظل التغيرات في سلاسل الإمداد وارتفاع تكلفة الغذاء وتزايد النزاعات والحروب والهجرة غير الشرعية.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت إلى الدور المتزايد للقطاع الخاص في قضية الأمن الغذائي. ولذلك، تم الترويج لاتفاقية التصحر منذ عام 2022 على المستوى السياسي بمفهوم جديد وهو إعادة تأهيل النظم البيئية والربط بين قضايا الغذاء والطاقة والمياه لجعلها أكثر جاذبية للدول المتقدمة.
وأشارت الدكتورة ياسمين فؤاد إلى أهمية تكرار تجربة التوسع في الطاقة الجديدة والمتجددة، والتي شهدت مشاركة العديد من البنوك التنموية الدولية للمساهمة في تقليل مخاطر الاستثمار للقطاع الخاص.
وأعربت عن تطلعها إلى تقليل مخاطر الاستثمار في مجال الأمن الغذائي واستنباط محاصيل أكثر قدرة على التكيف مع آثار تغير المناخ.
كما تحدثت الوزيرة عن دور مصر في إنشاء صندوق الخسائر والأضرار خلال رئاستها لمؤتمر المناخ COP27، وتفعيله في مؤتمر COP28 في دبي، وبدء حشد الموارد له في مؤتمر COP29 في أذربيجان واستكماله في المؤتمرات اللاحقة.

وأوضحت أن مصر تقوم حاليًا بإعداد مجموعة من المشروعات لمواجهة الأضرار الناجمة عن آثار تغير المناخ. وأكدت على حرص مصر على الحد من آثار تغير المناخ من خلال إجراءات استباقية، منها الخريطة التفاعلية لتغير المناخ التي توفر رؤية حول آثار تغير المناخ على كل منطقة على المدى الطويل، بالإضافة إلى إعداد فريق فني وعلمي لحساب الخسائر والأضرار وكيفية حشد التمويل المطلوب.
واستمعت الدكتورة ياسمين فؤاد إلى شواغل واستفسارات النواب، والتي تضمنت كيفية الاستفادة من صندوق الخسائر والأضرار، وآليات تبادل الخبرات مع الدول الأفريقية، وتغيير الخريطة الزراعية لتتناسب مع تحدي تغير المناخ.
وقد أكدت الوزيرة على أهمية اتفاقية التصحر لأفريقيا، حيث أن 45% من الأراضي الأفريقية قد تأثرت بالتصحر، بينما تواجه باقي الأراضي خطر التصحر، كما أن بعض الدول الأفريقية أكثر عرضة للخطر لعدم تنوع اقتصاداتها، مما يؤثر على مصادر رزقها.
وأوضحت وزيرة البيئة أن نظام الإنذار المبكر يتم تنفيذه بواسطة وكالة الفضاء الأفريقية كنظام قاري يوفر البيانات المطلوبة.
وفي مصر، يتم إعداد الخريطة التفاعلية بالتعاون بين وزارة البيئة وهيئة المساحة العسكرية والاعتماد على البيانات التاريخية للأرصاد الجوية وبيانات وزارة الموارد المائية والري، حيث يتم إدخال هذه البيانات في نماذج رياضية لإصدار توقعات بتأثيرات المناخ على المدى البعيد.
بالإضافة إلى ذلك، يتم إعداد خطة لمواجهة موجات الطقس المتطرفة، والتي تحدد دور كل جهة حكومية في غرفة إدارة الأزمات عند مواجهة هذه الموجات. وذكرت مثالًا على ذلك بالاستعدادات التي تمت في الإسكندرية ومحافظات ساحلية أخرى لإدارة الأزمات المحتملة الناتجة عن الأمطار الغزيرة أو السيول.
وأكدت وزيرة البيئة أن ملف البيئة ليس قضية وطنية فحسب، بل له أبعاد دولية. وقد لعبت مصر دورًا فعالًا منذ عام 2015 في العمل متعدد الأطراف في مختلف المحافل الدولية، وصولًا إلى الاستعداد لاستضافة اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط من التلوث هذا العام.
فهي لاعب رئيسي على المستويين الإقليمي والدولي، وما تنفذه على الصعيد الوطني يقدم نماذج للدول الأخرى للاقتداء بها في مواجهة التحديات والوفاء بالتزاماتها الدولية.
وشددت الدكتورة ياسمين فؤاد على أن الفترة الماضية شهدت تحولًا في نظرة البيئة، حيث أصبحت محفزًا للتنمية والاستثمار.
وذكرت مثالًا على ذلك بتحويل تحدي حرق قش الأرز إلى فرصة للمزارعين لتدويره والاستفادة منه، بالإضافة إلى إعداد أدلة إرشادية لمساعدة الصناعة في هذا المجال.
وأشارت إلى أنه على الرغم من أن وزارة البيئة لا تقوم بإعداد دراسات تقييم الأثر البيئي بل يقتصر دورها على التصديق عليها، إلا أن الوزارة نفذت دراستين هامتين هما دراسة تقييم الأثر البيئي الاستراتيجي لمنطقة الساحل الشمالي الغربي بالتعاون مع وزارة الإسكان والمحافظة والتنمية السياحية، وأخرى لمنطقة جنوب البحر الأحمر، نظرًا لأهميتها ككنز طبيعي لمصر خاصة في البحر الأحمر الغني بالتنوع البيولوجي.
وقد تم عرض هاتين الدراستين على مجلس الوزراء للاسترشاد بهما من قبل المستثمرين، حيث توضحان المعايير اللازمة للمشروعات.
وفيما يتعلق بملف البلاستيك، أوضحت الدكتورة ياسمين فؤاد آخر مستجدات مفاوضات التوصل إلى اتفاق عالمي ملزم للحد من تلوث البلاستيك.
وأشارت إلى أنه يجري العمل حاليًا على تحديد آليات تقليل إنتاج البلاستيك وتحديد الصناعات التي يمكن الاستغناء عن البلاستيك فيها وتلك التي يعد فيها البلاستيك مكونًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه. وأوضحت أن مصر بدأت بالتركيز على الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، حيث تم العمل على إيجاد بدائل لها.
وخلال العامين الماضيين، وبالتعاون مع اتحاد الصناعات، تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، ثم تعديل مواصفات تصنيع هذه الأكياس، والعمل مع وزير الصناعة على إيجاد البدائل المناسبة.
وقد تم إدراج إنتاج البدائل ضمن الحوافز الخضراء في قانون الاستثمار الجديد، ثم صدر قرار بشأن المسؤولية الممتدة للمنتج. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت وزارة البيئة الحملة القومية للتوعية بأضرار البلاستيك تحت شعار “قللها”.