ملايين المصريين تدفقوا
إلى الشوارع والميادين
فى مشهد غير مسبوق
ساعات قليلة باقية عن حلول ذكرى ثورة 30يونيو 2013 .تلك الثورة العظيمة التى أنقذت مصر من الفوضى والخراب والدمار. فى قلب المشهد السياسى المصرى، يبرز يوم الثلاثين من يونيو كعلامة فارقة ونقطة تحول جذرية، لا يمكن فهم مسار مصر الحديثة دون استيعاب أبعادها العميقة وتداعياتها المتشعبة. لم تكن ثورة الثلاثين من يونيو مجرد احتجاج عابر أو تظاهرة عادية، بل كانت تجسيدًا حيًا لإرادة شعبية جارفة، نفدت منها طاقة الصبر وتحطمت قيود التحمل، لتنادى بتغيير جذرى فى وجه الحكم الذى رأته يجنح نحو الاستئثار والتقسيم. هذه الثورة، التى شهدت ملايين المصريين يتدفقون إلى الشوارع والميادين فى مشهد غير مسبوق، حيث خرج مايزيد على 33 مليون مصرى من أصل 80 مليون عدد سكان مصر حينذاك. ولم تكن وليدة لحظتها، بل كانت تتويجًا لأسابيع وشهور من الاحتقان المتزايد، والشعور العام بالإحباط من أداء حكومة لم تستطع تحقيق آمال الثورة التى سبقتها، بل بدت وكأنها تعيد إنتاج أنماط من الإقصاء والتهميش، وتضع مصالح فصيل بعينه فوق المصلحة الوطنية. كانت الأصوات تتعالى محذرة من مسار يهدد الهوية المصرية وتماسك النسيج الاجتماعى، ومع كل قرار أو تصريح يعمق هذا الشعور، كانت الشرارة تتوهج أكثر فأكثر، حتى بلغت حد الانفجار. فى هذا السياق، لم تكن مطالب الثوار مقتصرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية، وإنما امتدت لتشمل إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة الوطنية الجامعة، ورفض أى محاولة لجنوح الدولة أو إخضاعها لأجندات أيديولوجية معينة. كان الشعب المصرى، بكل أطيافه وتوجهاته، يبحث عن ملاذ آمن لدولته التى رأى أنها تتجه نحو المجهول، عن قيادة تستطيع أن تجمع ولا تفرق، وأن تبنى ولا تهدم، وأن تحافظ على مكتسبات الماضى وتؤسس لمستقبل أفضل. فى تلك اللحظة الحرجة، كانت المؤسسة العسكرية المصرية، وعلى رأسها القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، الرئيس عبد الفتاح السيسى، تقف على مفترق طرق تاريخى. لم يكن القرار سهلاً، فالتدخل فى الشأن السياسى يحمل فى طياته مخاطر جسيمة، لكن صوت الشعب كان مدويًا، وصرخته كانت واضحة لا لبس فيها. هنا تجلت إرادة الرئيس، التى لم تكن منفصلة عن إرادة الشعب، بل كانت انعكاسًا لها. كان القرار، الذى اتخذته القيادة العسكرية بالانحياز للشعب، بمثابة نقطة حاسمة غيرت مسار الأحداث بشكل جذرى. لم يكن هذا الانحياز تدخلاً لإسقاط نظام، بقدر ما كان استجابة لمطلب شعبى جماهيرى بإعادة تصحيح المسار السياسى للبلاد. جاء بيان الثالث من يوليو ليعلن عن خارطة طريق للمستقبل، خارطة طريق لم تكن وليدة رؤية فردية، بل نتيجة مشاورات مكثفة مع قوى سياسية ودينية وشبابية متنوعة، لضمان تمثيل أوسع قاعدة ممكنة من المجتمع. لقد كان دور الرئيس السيسى، فى تلك اللحظة الحاسمة، دورًا محوريًا فى إدارة الأزمة وتوجيه دفة البلاد نحو بر الأمان. لقد أظهرت قيادته قدرة فائقة على استيعاب مطالب الجماهير، والتعامل مع تعقيدات المشهد السياسى بمسئولية وحكمة، بعيدًا عن أى مصالح شخصية أو فئوية. لم يكن الأمر مجرد إزاحة لحكم، بل كان إطلاقًا لمسار جديد يهدف إلى إعادة بناء الدولة المصرية على أسس راسخة من العدالة والمواطنة والمساواة. لقد استلهمت قيادته من نبض الشارع ورغبة المصريين فى استعادة دولتهم، وتجسدت فى رؤية شاملة لمستقبل مصر، رؤية تقوم على التنمية الشاملة، وتعزيز الأمن والاستقرار، واستعادة مكانة مصر الإقليمية والدولية. كانت التحديات التى واجهت مصر بعد الثلاثين من يونيو هائلة، بدءًا من محاولات زعزعة الاستقرار الداخلى، وصولًا إلى الأزمات الاقتصادية الإقليمية والدولية. لكن بفضل إرادة الشعب وعزيمة القيادة، استطاعت مصر أن تتجاوز هذه الصعاب، وأن تمضى قدمًا فى طريق البناء والتنمية. لقد شهدت السنوات التى تلت الثلاثين من يونيو مشاريع قومية ضخمة، وإصلاحات اقتصادية جريئة، وخطوات واسعة فى مجالات البنية التحتية والطاقة والزراعة، كل ذلك بهدف تحقيق حياة كريمة للمواطنين وتعزيز قدرة الدولة على مواجهة التحديات المستقبلية. تبقى ثورة الثلاثين من يونيو درسًا تاريخيًا فى قوة الإرادة الشعبية، وكيف يمكن لها أن تصنع التغيير. ويبقى دور الرئيس السيسى فى تلك اللحظة الفارقة، وفى قيادة مصر بعد ذلك، نموذجًا للقيادة المسئولة التى تستجيب لنداء الوطن وتضع مصلحته العليا فوق كل اعتبار. لقد كانت ثورة 30 يونيو وستظل خالدة فى ذاكرة الأمة المصرية، كرمز للصمود والإصرار على بناء مستقبل يليق بعراقة هذا الوطن وتضحيات أبنائه.
وللحديث بقية