العنف الأسري: سيناريو متكرر وضحايا أبرياء
دفعت الخلافات الزوجية سيدة للتخلص من طفليها داخل مسكنها بالجيزة، ثم فرت هاربة إلى الشارع في محاولة لإنهاء حياتها قفزًا في النيل، لكن الأهالي تمكنوا من إنقاذها. تم القبض على المتهمة واعترفت بتفاصيل جريمتها التي نفذتها في لحظة تهور شيطاني، ليكون هذا الحادث هو الثالث من نوعه خلال الساعات الماضية. حُرِّر محضر بالواقعة، وأُخطر اللواء محمود أبو عمرة، مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، وتولت النيابة التحقيق.
أصبحت جرائم العنف الأسري سيناريو متكررًا يوميًا وبشكل مخيف، بسبب الصراع بين الأزواج وعناد كل منهما أمام الآخر، ليكون الضحايا دائمًا هم الأبناء الصغار الذين يدفعون حياتهم ثمنًا. وهو ما يوجب على الجهات المعنية ضرورة التدخل بحملات توعية لإعادة صياغة مفاهيم الحياة الأسرية وضبط النفس عند الغضب، منعًا للخراب والدمار في وقت لا ينفع فيه الندم.
تفاصيل المأساة
نروي هذا الحادث الإجرامي للعظة والعبرة لمن يعتبر، فقد راح ضحيته طفلان في عمر الزهور على يد من لا تستحق الأمومة، وبلا ذنب. بعدما توترت العلاقة بين الأم وزوجها، ازدادت العاصفة الأسرية سوءًا بمرور الوقت، لعدم قدرتهما على التفاهم حتى وصلت في النهاية إلى طريق مسدود. تناسيا حق صغارهما اللذين يملآن عليهما الدنيا بهجة وسعادة مهما كانت صعاب الحياة، وهو ما أدى لإصابة والدة الصغيرين “أدهم” (5 سنوات) و”نوح” (3 سنوات) بحالة نفسية سيئة، لتسود الدنيا في وجهها أمام عدم شعورها بالأمان والاستقرار الأسري الذي فشلت في تحقيقه والوصول إليه.

وساوس شيطانية
بمرور الوقت، بدأ الشيطان يوسوس لها بضرورة الخلاص من حياتها، لتعيش في صراع وضغط نفسي، خوفًا على صغارها. ورغم عشقها لهما ووجودهما دائمًا في أحضانها، إلا أن فكرة التخلص منهما بدأت تلاحقها كثيرًا وتطاردها في منامها ويقظتها، خوفًا عليهما من مستقبل مظلم وحياة كلها شقاء وتعاسة، كما توهمت وزيَّن لها شيطانها الذي سلمت له نفسها. لتقرر أخيرًا التنفيذ في لحظة تبلدت فيها مشاعرها وفقدت عقلها وتوازنها، متناسية عاطفة الأمومة لتدمر كل شيء بدون وعي وبقلب صخري.
لحظات غدر
قامت الأم بتقييد حركة طفليها بهدوء، وهي شاردة الذهن، باستسلام تام منهما، ظنًا منهما وببراءة شديدة أنها تداعبهما وتلعب معهما. لتقوم في لحظة غدر شيطانية بالتعدي عليهما بالضرب بوحشية وبلا رحمة لدموعهما ونظرات الحزن التي تطل من عيونهما وهما يرتعشان رعبًا وخوفًا، إلى أن سقطا جثتين هامدين في مشهد أليم. هذا ما قررته المتهمة في اعترافاتها فور ضبطها، وأنها حاولت إنهاء حياتها بجوارهما “بسكين المطبخ”، لكنها تراجعت وفرت مسرعة في الشوارع تبكي مهمومة، لا تدري ماذا تفعل ولمن تعيش بعد فقدانها “ضناها” وبيدها، ولم يكن أمامها سوى البحث عن وسيلة للخلاص من حياتها.

ضحايا الجريمة
تم الكشف عن الجريمة عندما شعر والد الضحايا بالقلق لعدم رد زوجته على اتصالاته، ليسرع بالعودة إلى المنزل بلهفة ويعثر على طفليه بمجرد دخوله جثثًا ممدة بطريقة مأساوية جعلته يسرع بالبحث عنها وهو في حالة جنون وتهور، لكن بلا فائدة. ولم يكن أمامه سوى الاستغاثة بمن حوله من الجيران وإبلاغ الشرطة الذين قاموا بمعاينة الجثتين ونقلهما بسيارة الإسعاف لثلاجة حفظ الموتى تحت تصرف النيابة العامة. روى لهم حكايته وشكوكه في “المدام”، غير متصور أن تصل الأمور بينهما إلى هذا الحد ويكون أولادهما الضحية مهما كانت الخلافات.
محاولة انتحار
وخلال ساعات من البحث، تمكن الضباط من التوصل إليها أثناء محاولتها الانتحار بمياه النيل. اعترفت المتهمة أمام اللواء محمد الشرقاوي، مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، بتفاصيل الجريمة بدموع الندم، مؤكدة أنها عانت الأمرين في حياتها الزوجية، وهو ما جعلها تفقد عقلها وترتكب الحادث. حُرِّر محضر بالواقعة، وأُخطر اللواء سامح الحميلي، مساعد وزير الداخلية لأمن الجيزة. وقررت النيابة انتداب الطبيب الشرعي لتشريح الجثتين قبل التصريح بالدفن وتسليمهما للأهل، وحبس المتهمة أربعة أيام على ذمة التحقيقات مع مراعاة التجديد لها في الميعاد لحين إحالتها لمحكمة الجنايات. ولا يزال التحقيق مستمرًا.
جرائم مماثلة
جدير بالذكر أن هذا الحادث هو الثالث من نوعه خلال الساعات الماضية. وكان أحدها في مركز قويسنا التابع لمحافظة المنوفية، والذي قام فيه من لا يستحق الأبوة بتعذيب طفليه حتى الموت، ونجا شقيقهما الثالث منه بعد فراره هربًا، والسبب رغبتهما في الرجوع لوالدتهما المطلقة. والآخر ارتكبته سيدة بالحي الراقي بمدينة الشروق بالقاهرة، والتي قامت بالتخلص من صغارها الثلاثة “خنقًا” وبلا رحمة أثناء نومهم، لعدم قدرتها على توفير احتياجاتهم المادية بالمدارس الدولية بعد انفصالها عن زوجها.