فى السياسة كما فى الحرب، هناك خطوط حمراء تُرسم وتُحترم حتى من قبل الأعداء، لكنها حين تُكسر لا تعود المعادلات إلى سابق عهدها، بل تدخل مرحلة جديدة تماماً، وهذا هو ما نراه الآن ماثلاً فى أفق الشرق الأوسط، وقد انفجرت أول مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران، خارج نطاق «الوكالة» والحروب الباردة التى ظلت تحكم علاقتهما لأكثر من أربعة عقود.
ولأول مرة، لم تعد المعركة تُدار عبر طهران ودمشق وبيروت وبغداد بالتحريض والتحريك.. بل بصواريخ عابرة، وطائرات مسيرة، وطائرات حربية، وجبهات مفتوحة، وصفارات إنذار تدوى فى تل أبيب، ومراكز قيادة فى طهران على أعلى درجات التأهب.. الحديث الآن لم يعد عن ضربة ورد فعل، بل عن إعادة رسم قواعد الاشتباك الإقليمى.. إيران تقول إنها تثبت توازن الردع لأول مرة، وإنها قادرة على تجاوز خطوط إسرائيل الجوية والاستخباراتية، فى حين تقول إسرائيل إنها أثبتت أن إيران «هشة»، وأن دفاعاتها لا تصمد أمام ضربات دقيقة.
> استخدمت إيران الحرب لتوحيد الجبهة الداخلية التى شهدت احتجاجات متكررة فى الأشهر الأخيرة.. لكن إذا طال أمد الحرب، فإن العقوبات والغضب الشعبى سيطفوان من جديد.
> أما إسرائيل، فتخوض المعركة وفى قلبها انقسام داخلى عميق بسبب حرب غزة المستمرة، والانتقادات الدولية، وضغط الشارع الإسرائيلى الذى بات يعيش فى ظل الخطر الإيرانى المباشر لأول مرة.. كما لا يمكن فصل الحرب الإيرانية- الإسرائيلية عن المشهد فى غزة، فالهجوم الإسرائيلى المستمر منذ أكتوبر 2022 تحول إلى نقطة انكسار فى صورة إسرائيل أمام العالم.
يرى محللون استراتيجيون أن الحرب المباشرة لن تستمر طويلاً لأسباب استراتيجية، اقتصادية، وحتى سياسية، لكنها كشفت حقيقة جديدة هى أن الشرق الأوسط لم يعد ساحة لصراعات بالوكالة فقط، بل دخل مرحلة الصدامات المباشرة، التى قد تتكرر وتتوسع وتفتح الأبواب على حروب إقليمية واسعة ما لم يتم كبح جماح التصعيد.