فى كل مكان من هذا الكوكب تتعدد النزاعات ونسمع ونرى عن حرب تندلع وأخرى لم تهدأ بعد، مثل اليمن وسوريا وأوكرانيا والسودان وجميعها لها أضرار جسيمة وتنشر الخراب على كل المستويات، تتحول فيها المدن إلى أطلال والمستشفيات إلى أهداف والمدنيون إلى أرقام وفيات فى نشرات الأخبار جراء الانفجارات والقصف الجوى والتلوث الناتج عن الذخائر والأسلحة الكيميائية، وهذا فى حال أنها حروب بمواجهات محدودة كما تعودنا ينتج عنها خسائر فى الأرواح والممتلكات.. ووفقاً لتقرير للأمم المتحدة النزاعات الحالية تسببت فى نزوح أكثر من 110 ملايين شخص حول العالم معظمهم بلا أفق واضح لمستقبل آمن.
للأسف، كواليس حروب العصر الحديث تبرز خطر آخر أشد فتكاً يعمل بصمت ويهدد الأجيال القادمة وهو الإشعاع النووى الذى ينذر بكوارث شاملة تهدد الإنسان والاقتصاد العالمى والبيئة وتطيح بالاراضى الزراعية والموارد المائية والثروات الحيوانية وكل شئ على كوكب الأرض، ووسط تصاعد التهديدات العسكرية «الإيرانية- الإسرائيلية» تزداد احتمالات وقوع تسرب إشعاعى وفى حال استخدام الأسلحة النووية أو تعرض منشآت للقصف كما حدث فى مفاعل «تشيرنوبل» 1986 أو محطة «زابوريجيا» فى أوكرانيا 2022 خلال النزاع الأخير يكون العالم أمام كارثة حقيقية.
التسرب الإشعاعى ليس له حدود ويمكن أن يمتد عبر القارات بفعل الرياح والمياه ولا يتسبب فقط بأمراض فورية مثل السرطان والحروق، بل يمتد أثره عبر الأجيال مسبباً طفرات جينية وتشوهات خلقية ويحول المناطق المصابة إلى مدن أشباح لا تصلح للحياة لعشرات أو حتى مئات السنين، ويبدو أن المنظمات الدولية تقف عاجزة عن فرض رقابة صارمة على تسابق الدول الكبرى فى تطوير رءوسها النووى والمقلق أكثر هو احتمال استهداف أو تعطّل محطات طاقة نووية خلال الحروب مما يحول المشهد من صراع دولى إلى تهديد عالمى.
الحل لا يكمن فقط فى نزع السلاح أو إغلاق المفاعلات ولكن بالبدائل الممكنة فى خلق توازن حقيقى بين الأمن القومى والاستدامة البيئية، حقوق الإنسان، الدبلوماسية الوقائية، التعليم حول أخطار الأسلحة والاستثمار فى الطاقة النظيفة كلها خطوات ضرورية لكنها مازالت تصطدم بعائق أكبر يتمثل فى غياب الإرادة السياسية الجماعية.
فى النهاية.. العالم يقف اليوم أمام خيارين، إما الاستمرار فى النزاعات الجيوسياسية وتنامى الترسانات النووية أو الالتفات إلى صوت الإنسانية والحكمة، وبين هذا وذاك مازال الصمت العالمى على جرائم الحرب والتلويح بالقنابل النووية يمثل خيانة عظمى لمستقبل الأجيال القادمة .