شهد العالم خلال الأيام الماضية تصعيداً خطيراً بين إسرائيل وإيران، كاد يشعل فتيل حرب إقليمية واسعة تهدد استقرار الشرق الأوسط برمته، وبينما كانت المنطقة والعواصم الكبري تحبس أنفاسها بعد استهداف طهران للقواعد الامريكية في الخليج، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معلناً التوصل إلي اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين، في خطوة وصفها بأنها أنقذت المنطقة من «دمار شامل».
ورغم أهمية أي تحرك يجنب المنطقة المزيد من الحروب والكوارث، تظل التساؤلات قائمة: هل كانت هذه الحرب ضرورية من الأساس؟ وهل التدخل الأمريكي جاء فعلا بدافع إنقاذ الشرق الأوسط، أم أن هناك حسابات سياسية أعمق في الخلفية؟.
أولاً، لا يمكن انكار أن التصعيد بين إسرائيل وإيران تجاوز الخطوط الحمراء، خاصة مع الهجمات المتبادلة التي استهدفت مواقع حساسة للطرفين، وتزايد الخسائر البشرية والمادية، وصولاً إلي حافة صراع مفتوح، ومع ذلك، يظل من المشروع التساؤل: من المستفيد الحقيقي من هذا الصراع؟
إسرائيل تري في تقويض القدرات النووية والصاروخية الإيرانية هدفاً استراتيجيا لضمان تفوقها العسكرية، بينما تعتبر إيران التصعيد جزءا من معركتها السياسية والعسكرية ضد الضغوط الغربية والإسرائيلية. أما شعوب المنطقة، فهي كالعادة، من تدفع الثمن الأكبر.
تصريحات ترامب حول التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار جاءت بنبرة انتصار، وكأن الولايات المتحدة وحدها أنقذت المنطقة من مصير مظلم، قال بوضوح «الحرب كان يمكن أن تستمر لسنوات وتدمر الشرق الأوسط بالكامل لكنها لم ولن تفعل»، وهو كلام يحمل بين سطوره رسالة انتخابية واضحة أكثر مما يعبر عن تحول حقيقي في السياسة الأمريكية تجاه أزمات المنطقة.
ترامب المعروف بميله لاستعراض الإنجازات، حاول توظيف هذا الاتفاق في سياق تعزيز صورته كصانع سلام، خاصة وهو الذي طالما تباهي بـ «صفقات القرن» واتفاقيات التطبيع وغيرها، رغم أن أياً من هذه المبادرات لم يحقق استقراراً دائماً حتي اليوم.
رغم أهمية تهدئة التصعيد العسكري، إلا أن أي وقف لإطلاق النار يظل هشاً إذا لم يبني علي معالجة الأسباب الحقيقية للصراع، التوتر بين إسرائيل وإيران ليس وليد الأيام الماضية، بل نتيجة تراكمات طويلة تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، النفوذ الإقليمي، والصراع علي النفوذ في سوريا ولبنان وغزة.
وعليه، يمكن القول إن وقف إطلاق النار، الذي أعلن عنه ترامب، وهو مجرد تجميد مؤقت للصراع، وليس نهاية له، بدون حلول دبلوماسية شاملة، وضمانات متبادلة، وإرادة سياسية حقيقية لتجنب الحرب، ستبقي المنطقة رهينة لانفجارات جديدة في أي لحظة.
القول بإن التدخل الأمريكي الأخير أنقذ الشرق الأوسط من الدمار فيه قدر من المبالغة، صحيح أن منع حرب شاملة يستحق الترحيب، لكن ما ينقذ المنطقة فعلياً هو بناء رؤية جماعية تقوم علي الأمن المشترك، الحوار السياسي، وإنهاء سياسة الحروب بالوكالة والتصعيد المستمر.
أما الرهان علي صفقات اللحظة وشعارات الانتصار الإعلامي فلن يخرج الشرق الأوسط من دائرة العنف، بل يعيد إنتاجها في صور مختلفة.
إن الحرب بين إسرائيل وإيران، لو استمرت، كانت ستعمق معاناة شعوب المنطقة وتهدد استقرارها الهش، التدخل الأمريكي ساهم في وقف إطلاق النار، لكنه لم يغير معادلات الصراع الأساسية.
المطلوب اليوم ليس فقط التهليل باتفاقات مؤقتة، بل معالجة جذور التوتر، والتزام حقيقي من القوي الكبري، وعلي رأسها الولايات المتحدة، بحلول عادلة تجنب الشرق الأوسط سيناريوهات الدمار التي يتحدثون عنها كلما اقتربت الحرب، ثم ينسونها مع أول تهدئة مؤقتة.
إنقاذ الشرق الأوسط يتطلب أكثر بكثير من تصريحات سياسية مؤقتة، يتطلب شجاعة لحل جذور الأزمات، وليس الاكتفاء بإدارة نتائجها.