«الأنصاف»؟ أنصاف الرجال وأنصاف الساسة وأنصاف المثقفين وأنصاف المتدينين وأنصاف الحلول وأنصاف المشاعر وأنصاف المواقف، التى تختلف بالطبع عن معارك الإنصاف، وتلك الأخيرة يقوم بها هؤلاء المنصفون النبلاء، وفى كل المجتمعات نجد الفريقين متواجدين فى المشهد العام، فالأنصاف كثر يخوضون أنصاف المعارك ليحققوا أنصاف الانتصارات مع أنصاف الهزائم، أما المنصفون فقليلون ويخوضون معاركهم الكبيرة بشرف وحكمة من أجل تحقيق الانتصارات الاسطورية، فعلى سبيل التبسيط نجد معارك الأنصاف تدور حول أسعار الطماطم والبصل والبامية وورق العنب وفى توقيتات محددة جغرافيا ومناخيا وهى فترات «العروات» الزراعية، أما المنصفون فيخوضون معركة بناء الدولة وحمايتها وبقائها فالدول لا تبنيها الأمانى الطيبة ولا النوايا الحسنة فقط، بناء الدول عملية صعبة ومعقدة وتحتاج رجالاً مجردين لا يخافون فى الله لومة لائم، بناء الدول يحتاج الوعى والفهم فى قراءة المشهد بعيدا عن المزايدات الرخيصة، فى مصر يعلم القاصى والداني.. المحب والكاره أننا نبنى دولة جديدة تماما بفكر جديد لخلق واقع يليق بالناس دون دغدغة مشاعرهم أو تخديرهم بكلمات دافئة، الرئيس الذى أنقذ مصر من بين أنياب أخوان الشياطين ووضع روحه على كفه ونذر حياته فداء لهذا الوطن شرع فى بناء الدولة وقبل أن يخطو خطوة واحدة صارحنا وعلى الملأ بصعوبة وعظم المهمة وقال لا أعدكم إلا بالعمل ولا أريد منكم إلا العمل وقال أيضا هتتعبوا معايا مش هتناموا.. الرجل كان يعلم منذ عقود كل مشكلات مصر وأزماتها وكذلك علاج وتكلفة تلك المشكلات والازمات، وعندما طالبه الشعب بتحمل المسئولية صارح الشعب وقال له ما لم يعتده من حكامه السابقين «نحن فى شبه دولة» «بقايا الدولة» «شهادة وفاة الدولة» «الدولة الوطنية» إلى آخر تلك العبارات التى مثلت كــل منهـــا «صدمة إفاقة» و»نوبة صحيان» وانطلقت المسيرة بسواعد كل الشرفاء من المصريين وتحول الحديث عن مصر من أحاديث الفوضى والإرهاب الى حكايات الانجاز والمشروعات والابهار وهيبة الدولة، تعرضنا لأزمات عديدة وواجهنا مطبات كثيرة طوال زمن الرحلة لكن عزاءنا أننا نبنى دولة بسواعد الشرفاء، وكان على الجانب الآخر فصيل غير أصيل من الناس يمسك العصا من المنتصف ومع كل أزمة يحاول القفز من سفينة الوطن متجها الى سفينة «حزب الطماطم المستديرة» حيث الهجوم على الدولة وتجربتها لأى سبب خاصة لو كان ارتفاع اسعار الطماطم شعار حزبهم المقدس، الآن نعيش كما العالم أجواء أزمة اقتصادية عنيفة كرجع صدى للأزمات العالمية فنجد حزب الصلصة ينشط فى الشارع ويتحدث عن إفلاس متوقع وثورة شعبية تندد بارتفاع اسعار الطماطم والبصل! ما هذا العبث؟! ألم يقرأ هؤلاء العابثون كيف استطاع الشعب الألمانى أن يعيش فقط على البطاطس أثناء فترات الحروب التى امتدت لسنوات؟ وكذلك كيف استطاع الروس مواجهة الحصار الالمانى لمدينة لينن جراد لمدة سنوات، ألم يقرأ هؤلاء قصة الشدة المستنصرية!؟ بيد أن حروب الأنصاف باتت محاصرة بوعى الإنصاف ومعارك المنصفين.