رغم الخلافات التاريخية والحروب بين دول أوروبا ضد بعضها، وخلافات البعض الآخر ضد الولايات المتحدة، استطاعوا أن يتغلبوا على ذلك ويتجمعوا فى حلف يجمع بين ضفتى المحيط هو حلف شمال الأطلسى «الناتو»، واستطاعت واشنطن أن تكون القاطرة وتقود دول الاتحاد الأوروبى، ويحرص الأوروبيون على شعرة معاوية مع أمريكا ولا يسمحون بانقطاعها وإن كانت لهم أحيانا محاولات لإثبات أن لهم شخصيتهم المستقلة، لكنهم يتراجعون ليسيروا فى الركب الأمريكى.
وعندما أصرت أمريكا وبريطانيا على ضرب العراق بحجة امتلاكه أسلحة نووية، ما كان الهدف إلا القضاء على الجيش العراقى الذى كان قويا واعتبرته تل أبيب تهديدا لها، ومع اليقين بعدم امتلاك العراق لأسلحة نووية قامت إسرائيل بضرب المفاعل الوحيد، رغم موافقة العراق للوكالة الدولية للطاقة الذرية – فى عهد البرادعى- ولم تعثر على أى أثر نووى، إلا أن واشنطن ولندن قامتا بضرب بغداد ظلما وعدوانا.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فما حدث يتكرر بصورة طبق الأصل مع إيران، فرغم أن طهران توافق للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش والإشراف على برنامجها النووى وقالت إنها لم تمتلك سلاحا نوويا، إلا أن إسرائيل – المعتدية دائما – بادرت بإشعال الحرب، بحجة أن ذلك يهدد وجودها، فى حين أن مسئولين إسرائيليين سابقين كثيرين شددوا على أن النتن ياهو يخوض هذه الحروب، من غزة إلى إيران، من أجل بقائه فى السلطة ولمصالحه، وهو ما أكده أيضا الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون.
وعندما طالبت فرنسا بوقف الحرب بين إسرائيل وإيران، هب ترامب مهاجما الرئيس الفرنسى، ورافضا أن يذكر أحد وقف الحرب قبل أن تحقق أهدافها، وهى عنده القضاء تماما على المفاعلات الإيرانية أيا كانت قدراتها ولو كانت للأغراض السلمية.
وفى اجتماع الترويكا ووزراء خارجية ألمانيا وانجلترا وفرنسا مع وزير الخارجية الإيرانى مطلع الأسبوع، كرر الأوروبيون ما تقوله أمريكا بأنهم لن يسمحوا لإيران بامتلاك السلاح النووى، وقالت طهران إن يرنامجها للأغراض السلمية وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن واشنطن ازدادت غطرسة وطالبت إيران بالاستسلام التام أو الموت الزؤام ولا مجال للتفاوض، وإذ بالأوروبيين يحشرون الدولة العبرية فى جملة مفيدة بأنهم ملتزمون بأمن إسرائيل، المعتدية التى اشعلت نار الحرب.
واستمرارا فى خطة التضليل والخداع الأمريكية، التى بدأت بالإيهام بوجود خلافات بين ترامب والنتن ياهو، ومع بداية الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية، قال ترامب إنه لا داعى للمشاركة فى الحرب طالما تقوم تل أبيب باللازم، وتمدها واشنطن بكل المساعدات والمعلومات والسلاح المتطور، والدعم والغطاء جوى، وحماية سماء إسرائيل.
ثم ادعى ترامب أنه سينتظر أسبوعين ليرى نتائج الاعتداء الإسرائيلى، لكن حذر كثير من المراقبين من أنه لن يصبر كل هذه الأيام وسيوجه ضربة لطهران ويدخل الحرب، وضرب عرض الحائط بوافقة طهران على خضوع برنامجها للتفتيش وأصر الغرب على أن يتم تخصيب اليورانيوم فى دولة ثالثة، ما اعتبرته إيران مساسا بسيادتها.
وقبيل الاعتداء الأمريكى على إيران، اعترف المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ليون بانيتا، بأنه بلا شك أن الولايات المتحدة ستغرق فى حرب إقليمية بمنطقة الشرق الأوسط إذا ضربت إيران، وأنها ارتكبت «خطأً فادحا» بدخولها العراق قبل عقدين، مما أدى إلى بدء حرب استمرت لسنوات، وأنه درس يجب على الرئيس أن يتعلمه، لأنه إذا دخل وهاجم إيران، فلا شك أن الولايات المتحدة ستكون فى حرب إقليمية عند هذه النقطة وستشتعل المنطقة.
لكن ترامب، الذى لا يسمع إلا نفسه، وجه ضرباته، بمتفجرات على المنشآت النووية الإيرانية تقترب من القنبلة النووية على هيروشيما، وهدد بالمزيد وقطع الطرق أمام التفاوض ويكرر ضرورة استسلام طهران، ولا يهتم بمنتقديه من الداخل الأمريكى بأنها مغامرة عسكرية وتعرض آلاف الأمريكيين قى الشرق الأوسط للانتقام، بعدما انجر إلى العملية العسكرية تحت ضغط النتن ياهو وورط أمريكا فى حرب اختارتها اسرائيل.
النتيجة، أنه بعد فشل مؤامرة الربيع العربى نسبيا، اتجهت إسرائيل وأمريكا إلى «الاستفراد» بدول المنطقة واحدة تلو الأخرى لإسقاطها وتدمير جيوشها واقتصادها، والمخطط مازال مستمرا.!