فى كلية الإعلام أول جملة تقال للدارسين «إن الخبر ليس أن الكلب عض رجلاً ولكن أن رجلاً عض الكلب».. ومضت الأيام والسنوات لأكتشف أن ما قالوه لنا ليس الحقيقة، لأن الخبر يجب أن ينقل مأساة هذا الشخص الذى تعرض لعضة كلب وقد ينتهى به الأمر لا قدّر الله بالوفاة كما حدث فى وقائع كثيرة.
وفى كثير من الأحيان قد يكون الأمر أكبر من كلمات تسطر معاناة الأسرة التى تعرض أحد أفرادها للعقر، وقد يحتاج الموقف لمخرج فى عبقرية محمد خان ليقدم لنا عملاً سينمائياً بعنوان «عضة كلب» على غرار رائعته «ضربة شمس»، فالأمر لا يقل خطراً وضرراً عن مواجهة عصابات التهريب، خاصة إذا كانت النهاية إزهاق روح إنسان.
فى الآونة الأخيرة زادت الحوادث التى كان فيها الكلب بطل الأحداث التى جاءت جميعها فى قالب درامى حزين، حيث راح مدير أحد البنوك ضحية كلب جارته المذيعة الشهيرة بمنطقة الشيخ زايد بعد غيبوبة مكث فيها شهرين لم تنجح خلالهما كل محاولات إسعافه، لتأتى النهاية حزينة بحرمان أسرة من عائلها للأبد.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فلا يمر يوم إلا ونحن أمام كارثة بطلها كلب ضال عقر مجموعة من الأشخاص ويكون معظمهم فى حالة خطيرة، كما الحال فى حادث كلب قنا المسعور الذى عقر ما يقرب من 20 شخصاً بينهم صغار، أو كلب الإسكندرية الذى وصل عدد ضحاياه إلى 30 شخصاً.
ومع تكرار تلك الحوادث، يبدأ الصراع ما بين مؤيد لفكرة الخلاص من الكلاب الضالة وضرورة وضع محاذير على اقتناء كلاب الحراسة، ومعارض لأى قرار جائر، خاصة أن تلك الحيوانات أرواح لا يمكن تعريض حياتها للخطر، ويجب أن تلقى الرعاية ويقدم لها الطعام حتى لو كانت تعيش فى الشارع.
من عشر سنوات تقريباً جاءت إلى عمارتنا ساكنة جديدة وهو ما لاحظته من الطعام الذى تضعه للقطط فى الجزء المشترك بيننا فى الطابق الذى نقطن فيه، الأمر الذى شعرت معه بعدم ارتياح نفسى، فأنا لا أجيد التعامل مع مثل هذه الكائنات وتسيطر عليّ حالة خوف من الاقتراب منها تحسباً أن تكون حاملة للمرض، بخلاف ما تتركه فى المكان من روائح كريهة.
جارتى لم تكتف بذلك، بل كانت تطهو الطعام خصيصاً للكلاب فى المنطقة وتنزل لإطعامها فى الشارع، وكانت أول المعارضين لفكرة التخلص منها، وجن جنونها عندما وضع أحدهم السم لها فى الطعام ليتخلص منها حتى كان ما لم يتوقعه أحد، حيث عقر أحدها ابنها وكاد يزهق روحه، لولا تصادف مرور أحد الأشخاص ليخلصه من بين أنيابه بصعوبة.
الحادث كان بمثابة كارثة، بعد أن التهم الكلب ذراع الصغير ولم يتوقف الأمر على منحه مصلاً، بل بات فى حاجة ماسة لمن يضمد جراح الأم قبل جراح صغيرها، بعد أن هالها مشهد هذا الطفل البرئ والدماء تنفجر من كل أنحاء جسده ولا يملك الأطباء حلاً سوى تنظيف الجروح لعدم جواز حياكتها.
الأم المسكينة كانت من الفريق المدافع عن حق الحيوانات الأليفة فى البقاء الآمن، ولكنها لم تسلم من الإيذاء وهو ما يفرض تحركاً عاجلاً وسريعاً لتأمين الأرواح من خطر هذه الحيوانات الذى زاد بشكل مفجع حتى إن الكثير من المواطنين باتوا يخشون على حياتهم من النزول فى وقت مبكر أو العودة متأخراً حتى لا يتحول لضحايا لأسراب الكلاب التى باتت تنافس البشر فى البقاء.
أعرف أن الموضوع قد يبدو تافهاً، لكن لو عشت مأساة الأم التى تمزق قلبها على تمزق جسد صغيرها وهى تقف عاجزة لتحرك الجميع لوضع حل لخطر بات ظاهرة لا يمكن السكوت عنها .