على طريقة الفرق المحترفة فى كرة القدم، نجحت إسرائيل فى حربها على غزة فى أن تلفت الأنظار عن جرائمها والمذابح التى ارتكبتها فى حق الفلسطينيين، وأن تستدرج المجتمع الدولي، وتفرض أسلوب لعبها، الذى تتقنه وتتفوق فيه أكثر من أى شيء آخر.
طريقة اللعب التى تتقنها إسرائيل هى التفاوض.. ثم التفاوض.. ثم التفاوض، وفرض شروط ومطالب والدخول فى جدال ونقاش وكذب وخداع لا ينتهي، وعقد جلسات ومباحثات ومراوغات دون سقف زمنى وإلى مالا نهاية، والهدف من هذا كله هو كسب الوقت أو إضاعته.. حتى تحقق أكبر قدر من المكاسب، أو أن تدخل القضية التى يتم التفاوض بشأنها إلى نفق النسيان.
هذا هو أسلوب اللعب الذى تفرضه إسرائيل الآن فى حربها على غزة وفى التعامل مع الرأى العام العالمي.
لقد استطاعت فى الوقت الذى تشن فيه عدوانها السافر على المدنيين فى القطاع وتقتل أكثر من 34 ألف فلسطينياً وتصيب 100 ألف آخرين، أن تلهى العالم فى عقد جلسات متتالية لا تبدو لها نهاية للتفاوض مع حماس لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وتحاول أن تختزل الأزمة وتسلط الضوء فقط على حجم وكيفية دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الفلسطينيين، دون الخوض فى المشكلة الأساسية وهى وقف العدوان وإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب وعودة الفلسطينيين الى ديارهم.
فى ظل قضايا الفساد التى تلاحق نتنياهو، والمظاهرات التى تخرج يوميا فى إسرائيل تطالب بإسقاط حكومته وإجراء انتخابات مبكرة، يجد نتنياهو فى مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس طوق النجاة من الضغوط الهائلة التى تواجهها حكومته، والحل الأمثل لاستمراره فى منصبه. وكلما طالت فترة الحرب واستمر التفاوض طالت فترة بقاء حكومته، لذلك فلا أمل أن تتوقف الحرب فى وقت قريب أو تصل المفاوضات إلى نتائج عاجلة.
هذا النهج هو الذى اتبعته إسرائيل من قبل فيما سميت بمفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية، تلك المفاوضات والمباحثات التى استمرت أكثر من 30 عاماً منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، عقدت خلالها العشرات أو المئات من الجلسات فى مدن وعواصم مختلفة، وجميعها لم تسفر عن شئ يذكر. بل استطاعت إسرائيل طوال تلك السنوات – بحماية ورعاية أمريكية – أن تتوسع فى بناء مستوطناتها، وترتكب العديد من المذابح والمجازر فى حق الفلسطينيين الذين لم يزد واقعهم إلا ألما وتشرذما وتشريداً.