شهر يونيه له ذكريات عديدة عندى.. بعضها شخصى وبعضها مرتبط بتقاليد راسخة فى مجتمعات تبدو أكثر استقرارًا. من بين هذه الذكريات بداية المسابقات العالمية للتنس.. بدءًا من بطولة أستراليا.. ثم بطولة فرنسا.. يليها الأهم والأعظم وهى بطولة ويمبلدون فى إنجلترا.. ثم بطولة أمريكا. بطولة ويمبلدون هى الأعرق.. وكانت بدايتها عام 1897.. وما زالت تتفاخر بتمسكها بتفاصيلها التاريخية؛ فهى الوحيدة التى تُلعب على ملعب من النجيل الأخضر.. ولابد أن يرتدى كل اللاعبون فيها ملابس بيضاء.. وتقدم فيها الفراولة مع الكريمة.. وغالباً ما يحضر المباراة النهائية مندوب من العائلة الملكية مع نخبة من النبلاء من كافة أنحاء الدنيا.
كانت مباريات البطولة فى ويمبلدون دائماِ ما تقام فى آخر أسبوع من يونيه وأول أسبوع فى يوليو. وفى عام 2012 قرروا تأخيرها لمدة أسبوع.. بحيث تبدأ آخر يوم اثنين من شهر يونيه.. من أجل إتاحة فترة أطول للراحة بينها وبين بطولة فرنسا. ومن أجل أن يفعلوا ذلك.. كان لابد من تنفيذ هذا القرار بعد ثلاث سنوات كاملة.. أى فى عام 2015.. احتراماً لكافة الارتباطات الشخصية والتجارية والدولية. لم يكن اتخاذ هذا القرار سهلاً.. فهو يغير ثوابت قومية لها اعتبارات تراثية مهمة.
شهر يونيه هو أيضًا شهر الامتحانات فى الكثير من بلدان العالم.. وبنهايتها تبدأ الإجازات الصيفية أثناء شهرى يوليو وأغسطس. فى الكثير من بلدان العالم تستطيع أن تعلم متى تبدأ الامتحانات أو الإجازة أو الدراسة فى أى مدرسة ولو بعد عدة سنوات.. باليوم والساعة. لا يحتاج الأمر إلى قرار أو نشر أو إعلان. هذه الأمور ثابتة وتم وضعها بعد دراسة وتم تجربتها والتأكد من فاعليتها.. وبالتالى أصبحت من الثوابت القومية التى لا تتغير بتغير الوزراء أو الحكومات. فهذه أمور دولة. ويتحتم على كافة المسئولين التقيد بها بحيث لا يبدأ كل وزير جديد من الصفر ويأتى برؤية شخصية لا تعترف بمن سبقها.. ويبقى الأمر وكما لو كنا نتحسس طريقنا باستمرار.
ولعلنا نتطرق هنا أيضاً إلى تحديد تاريخ المناسبات التى تتعلق بالأشهر القمرية مثل بداية رمضان ونهايته أو الأعياد أو الحج وبداية العام الهجرى.. ما زلنا نتحدث عن الرؤية الشرعية.. وكلمة «رؤية» لا تعنى الابصار بالعين فقط.. بل تعنى العلم بالشىء.. وتعنى إدراك الحقيقة.. وإسألوا أهل الذكر.. نحن نصلى خمس صلوات يومياً يتم تحديد مواعيدها عن طريق علم الفلك.. ونفطر ونتسحر فى كل يوم من رمضان عن طريق علم الفلك وليس عن طريق رؤية الشفق الأحمر أو الأبيض.. علم الفلك قد تطور بدرجة مذهلة.. وأصبح يستطيع أن يحدد أيام الشهر القمرى بدقة تامة تفوق قدرة البصر بالعين كثيراً ولا تخضع لأى اعتبارات شخصية أو سياسية.. أعتقد لابد أن نتخلى عن موضوع الرؤية.. ونستخدم ما وهبنا الله به من علم لمعرفة أوائل الشهر العربى بالحسابات الفلكية التى من المؤكد ستكون أكثر دقة.. وأكثر احتياجاً وملاءمة لأسلوب الحياة المعاصر.. الالتزام بالثوابت القومية دليل على الاستقرار الإدارى والسياسى.. ودليل على تواجد التوجهات الإستراتيجية الواعية وهى تحترم المواطن والتزاماته وتساعد فى التخطيط للكثير من أوجه الحياة المعاصرة سواء الاقتصادية أو التعاملات البنكية أو الأمور السياحية .وهى لا تعنى الجمود.. بل هى نتاج لتجارب ناجحة يجب الحفاظ عليها لأنها أثبتت صلاحيتها.. كما فعلت بطولة ويمبلدون حين احتاجت ثلاث سنوات لتنفيذ قرار بسيط.. فقط احتراما لتقاليدها والتزاماتها.
إن احترام الوقت.. واحترام المؤسسات.. واحترام التاريخ.. كلها ليست رفاهية.. بل أساس للبناء والنهضة والتنمية. فالدول التى تحترم ثوابتها.. هى وحدها القادرة على أن تواكب التغيير دون أن تفقد هويتها.