الأرض والبشر.. كنوز مصرية فريدة تنتشر فى كل ربوع الوطن تتنوع المواهب والقدرات وتتعدد المزايا والانفرادات.. عطاء إلهى حبا به الكنانة منذ بدء الخلق.. ومع كل يوم يتكشف المزيد من النعم.. وجيل بقدرات ذهنية خارقة فى قرية نائية بأسوان ادهش علماء اليابان وإنتاج بالغ الجودة من الأسماك المدخنة بأيد شرقاوية نال شهرة عالمية والكتان يستعيد عرشه الذهبى دوليا انطلاقا من شبرا ملس بالغربية ومهارة بنى عدى أسيوط تنافس بالصناعات اليدوية من السجاد والخشب والتلى والعظام.. قرى تشبثت بالثقافة والقيم والتراث والتدريب وقبلها الإيمان بقدراتها لتطارد أشباح البطالة وتعلن تميزها محليا وعالميا فى إنتاجها ولتثبت عمليا أن لثمار الولاء والانتماء حلاوة لا تضاهى ومكاسب لا حد لمنتهاها إذا ما وجدت البيئة الآمنة المستقرة ورعاية القيادة الوطنية المخلصة.. المؤكد أن المبادرات الرئاسية التى وصلت الى أغلب القرى المصرية كشفت هذه الكنوز المخفية.
الغربية
تحصد نصيب «الأسد».. وتساهم
بـ 90 ٪ من إنتاج الكتان فى مصر
كتب – هشام المغربى:
مصر من أقدم الدول التى عرفت زراعة الكتان، حيث تشير النقوش والبرديات الفرعونية إلى أن هذا النبات كان يُزرع على نطاق واسع منذ أكثر من خمسة آلاف عام، واستخدم المصريون القدماء ألياف الكتان فى صناعة الأقمشة الرفيعة التى اشتهروا بها، وكانت تُعتبر رمزاً للنقاء، حتى أنهم استخدموها فى لف مومياواتهم، وهو ما يدل على مكانته الدينية والثقافية فى ذلك العصر. اشتهرت مصر بإنتاج أجود أنواع الكتان خاصة فى دلتا النيل وبالاخص فى محافظة الغربية، حيث كانت الأراضى الخصبة والمياه الوفيرة التى توفر بيئة مثالية لنموه، ومع مرور الزمن استمرت زراعة الكتان كمصدر مهم للألياف النباتية، إلى جانب استخدام بذوره فى الطب الشعبى والتغذية، وفى العصر الحديث ورغم تراجع زراعته بسبب التغيرات الاقتصادية وتوجه المزارعين نحو محاصيل أسرع ربحاً، لا تزال هناك جهود لإعادة إحياء زراعة الكتان فى مصر، نظراً لقيمته الصناعية فى صناعة النسيج والزيوت، وأهميته كعنصر دخل للعملة الصعبة.
زراعة الكتان
قال سيد عيطة مهندس زراعي محافظة الغربية من اهم واول محافظات مصر لإنتاج وتصدير الكتان، خاصة قرية شبرا ملس التابعة لمركز زفتى ففى عام 2024، ساهمت المحافظة بشكل كبير فى صادرات الكتان المصرية، حيث بلغت قيمة صادرات قرية شبرا ملس وحدها نحو 80 مليون دولار سنويًا، وبلغ انتاجها حوالى %40 من إجمالى إنتاج الكتان فى مصر، حيث بلغت المساحة المزروعة بالكتان فى محافظة الغربية حوالى 11,200 فدان من إجمالى 48,000 فدان مزروعة على مستوى الجمهورية فى موسم 2023/2024، و تضم القرية 39 مصنعًا لمعالجة الكتان الخام، مما يعزز من قدرتها على التصدير وتوفير فرص عمل محلية فهى قرية بلا بطالة وتعد نموذجاً للقرى المنتجة … مشيرًا إلى أن إجمالى العائد حوالى 180,000 جنيه للفدان، وتكاليف الزراعة إيجار سنوى للفدان بين 25,000 إلى 45,000 جنيه .
اوضح خالد عبد الفتاح صاحب شونة ان الكتان يمر بعدة مراحل أساسية لتحويله من نبات خام إلى ألياف أو بذور صالحة للاستخدام فى الصناعة أو التصدير. هذه المراحل تُطبَّق بشكل دقيق داخل شون الكتان اولها التجفيف (التحويش) حيث نقوم بترك الكتان فى الحقل لمدة 4 إلى 7 أيام حتى يجف بفعل الشمس ثم نرص الحزم فى شكل منتظم لتجفيفها من الرطوبة وهى مهمة لتسهيل فصل البذور والألياف لاحقًا، المرحلة التالية هى الدراس (التذرية) حيث يتم فصل البذور عن السيقان باستخدام آلة الدراس أو يدويًا، يليها التعطين (الريتينغ) حيث نقوم بنقع السيقان فى الماء فى أحواض اسمنتية من 7 إلى 15 يومًا لتكسير الروابط بين الألياف والمواد الخشبية بالنبات، يليها التجفيف الثانى حيث نجفف السيقان مرة أخرى بعد التعطين لعدة أيام تحت الشمس لتصبح جاهزة للمعالجة الميكانيكية.
واضاف انه يتم نقلها بعد ذلك الى اماكن مجهزة ميكانيكا لبدء مراحل الكسر (الهرش) حيث يتم كسر السيقان الجافة لفصل الألياف الطرية عن الخشب الداخلى (القش) باستخدام مكابس، ثم التمشيط (الفلترة) حيث نمرر الألياف المفصولة عبر مشاطات أو آلات لفصل الألياف الطويلة عن القصيرة وتنقيتها من الشوائب لان الألياف الطويلة تُستخدم فى صناعة الملابس الفاخرة، والقصيرة تُستخدم فى الحبال والسجاد، ثم التعبئة والتخزين حيث نعبأ الألياف الجاهزة فى بالات مضغوطة وتُخزن فى أماكن جافة وجيدة التهوية وترسل إلى المصانع المحلية أو تُجهز للتصدير، فالألياف تنقل إلى مصانع الغزل والنسيج، اما البذور فتستخدم لاستخلاص الزيت أو تُصدر كمنتج زراعى خام.
«محصول عالى القيمة»
قال عادل عيسى مزارع : ان الكتان هو الذهب الاصفر الحقيقى لان له قيمة اقتصادية عالية ومكانة عالمية، ونحن نفتخر بأن قريتنا من اولى القرى التى تصدر الكتان الخام والمصنّع إلى دول أوروبا وآسيا، وبالنسبة لجميع اهالى القرية هو افضل محصول حيث يعوضنا تعب زراعته بربح جيد جدا عن باقى المحاصيل فهو الاربح بين المحاصيل الشتوية .
واضاف فوزى شاهين مزارع أن دعم الكتان يُمكن أن يُعيد نهضة القرية المصرية، ويوفر فرص عمل كبيرة فى التصنيع خاصة اذا قامت الدولة بإنشاء مصانع حكومية لاستخلاص الألياف محليًا بدل بيع الخام، وابرز دليل على ذلك تجارب بعض المستثمرين المحليين الذين أقاموا مصانع فى القرية لتدوير القش والألياف، مما خلق سوق عمل جديد للشباب، والجميل ان قريتنا لا تعرف البطالة نهائيا فحوالى %70 من السكان يعملون فى الكتان بمختلف مراحله والقلة الباقية اتخذت مشاريع اخرى بعضها مرتبط بالكتان من قريب او بعيد، فالكتان بالنسبة لنا روح ونحن الجسد، وهناك مشكلة رئيسية وكبيرة فى زراعة وصناعة الكتان وهى ان الكتان يشون بكميات كبيرة فى اراض مفتوحة ومع ارتفاع درجة الحرارة يكون عرضة بمنتهى السهولة لان تشتعل والقرية ليس بها سوى وحدة اطفاء واحدة بسيارة، واحدة فنتمنى ان يتم النظر الى هذه المشكلة فالخسار دائما تقدر بالملايين واعتقد ان ذلك كما يؤثر على المزارع وما يليه من صناع وتجار فهو يؤثر على الدخل المحلى من عائد الصادرات .
مواهب حسابية خارقة فى «حجازة» أسوان
أسوان : فاطمة الزيات
فى قلب صعيد مصر، وتحديدًا فى محافظة أسوان، تبرز قرية حجازة كمنجم نادر للمواهب الحسابية الخارقة. القرية رغم بساطتها وبعدها عن صخب المدن، أصبحت حديث الأوساط التعليمية والإعلامية بفضل أطفالها الذين أذهلوا الجميع بقدراتهم الاستثنائية فى الحساب الذهنى .
أطفال حجازة لا يحتاجون إلى آلة حاسبة أو ورقة وقلم لحل العمليات الحسابية المعقدة. وبضغطة ذهن وبتركيز عالٍ، يستطيع هؤلاء الأطفال إجراء عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة وحتى استخراج الجذور التربيعية فى ثوانٍ معدودة، وأحيانًا بشكل أسرع من الآلات نفسها. ما يميزهم هو السرعة والدقة، بالإضافة إلى ثقة عالية فى النفس أثناء تقديم إجاباتهم..يقول محمد على مدرب الحساب الذهنى بقرية حجازة. أن قصة هذه القرية مع الحساب الذهنى بدأت تم إدخال برامج تدريبية متخصصة للأطفال، مثل برامج «الأباكوس» الياباني، عبر مبادرات أهلية ومدربين مهتمين بتنمية القدرات الذهنية للأطفال فى القرى ، سرعان ما أظهر أطفال حجازة تميزًا فائقًا، فتوسع نطاق التدريب ليشمل عددًا أكبر من أبناء القرية، حتى أصبح الأمر ثقافة راسخة ومصدر فخر للأهالي.
وأشار محمد إلى أن تدريب طلاب الحساب الذهنى لتطوير قدراتهم فى العمليات الحسابية يبدأ من خلال العداد الحسابى الذى يرجع أصله لدول شرق آسيا وهو يحتوى على مجموعة من الخرز كل واحدة منها لها قيمة رقمية مثل الآلة الحاسبة، مشيرًا إلى أن هذا التدريب يساهم فى تنشيط الذاكرة السمعية لدى الطلاب ويستطيعون اجابة المسائل الطويلة من خلال الاعتماد على الذهن.
ولفت إلى أنه يبدأ التدريب منذ سن 5 سنوات، لكن شرطا أساسيا للطفل أن يكون لديه دراية بالحساب والجمع والطرح حتى سن 15 سنة، فقط، نظرًا لدرجة الاستيعاب العالية المرتبطة بهذه السن، لكن كانت هناك تجربة ناجحة ومتفوقة رغم بلوغها سن الـ16 عامًا ولكنها استطاعت أن تثبت جدارتها.
التقت جريدة الجمهورية بأولياء أمور عباقرة القرية ليحدثنا والد الطفل أحمد احد عباقرة القرية ،، قائلا فى بداية الأمر عندما بدأوا تعليمهم الحساب الذهني، كنا نعتقد مثل أى نشاط عادي. لكن لما شاهدنا ابناءنا يحسبوا أرقاما كبيرة بسرعة ومن غير آلة حاسبة، اتأكدنا إنهم مختلفين فعلاً.
وتضيف والده أحدى الاطفال بالقرية، ابنتى كانت خجولة جدًا، لم تكن تريد الحديث مع الاخرين اما حاليا الموقف تغير نهائيا بمشاركتها فى المسابقات وحضورها على المسرح بكل ثقة ، فان الحساب الذهنى لم يتوقف عند حد تعليمهم لغة الأرقام، به غيّر شخصيتهم تمامًا.
وأكد على الحسينى أحد مدرسى القرية على ملاحظته لأطفال القرية انهم بيمارسوا المسائل الحسابية كنوع من اللعب فى الشوارع ،، وأضاف ان الأهالى اصبح عندهم وعى أكبر، وبيشجعوا أولادهم يشاركوا ويتدربوا. أصبح هناك روح تنافس محترمة بين الأطفال، وكلنا فخورون بيهم.
السجاد والكليم العدوى والتلى والمصنوعات الخشبية
حرف تقاوم «الاندثار»
أسيوط – محمود العسيرى:
تسعى محافظة أسيوط لتنفيذ خطة طموحة لتنمية الحرف التراثية التى تشتهر بها المحافظة خاصة صناعة السجاد والكليم والتلى والمشغولات اليدوية وغيرها، خلال الفترة القادمة كما يؤكد هشام أبوالنصر محافظ ا لإقليم.
وتعتبر بنى عدى من القرى الرائدة فى مهن صناعة التلى والسجاد الحرير والكليم والخشب البيئى لسنوات عديدة.
يقول أحمد أبوعلى بأن قرية بنى عدى متميزة تاريخياً فى صناعة السجاد والكليم الأسيوطي، وكثير من المنازل بها المنوال اليدوى بالاضافة لعدة مناطق أخرى بمنطقة غرب البلد «البيسري»، بخلاف «الكليم الاسيوطي» الذى كان ينافس كرداسة والحرانية وإيران وكانت تصدر إلى روسيا وبعض الدول العربية.
يشير عصام بداري إلى تراجع انتاج السجاد اليدوى بسبب قلة الأيدى العاملة المدربة وانخفاض الاقبال على مدارس التعليم الفنى التى كانت تدرب طلابها على فنون الانتاج لافتا الى ان التسويق يعد العقبة الثانية التى تواجه صناعة السجاد اليدوى وعدم فتح أسواق جديدة للمنتجات فى الدول العربية والأوروبية.
أكدت أسماء عبدالرحمن – استاذ مساعد الأدب الشعبى بكلية الآداب جامعة أسيوط» ان صعوبة التسويق أدت إلى التوقف عن إنتاج الكليم الأسيوطى والبحث عن أعمال أخري، لافتة إلى ضرورة إزالة العقبات التى تواجه هذه الصناعة بإقامة معارض دولية وتفعيل دور الجمعيات المتخصصة فى هذه الصناعات، كما اختفت ايضا صناعة الفخار بسبب التطور التكنولوجى أو ظهور صناعات بديلة بتكلفة أقل مثل مصانع السجاد الصناعى كما اختفت صناعة دبغ الجلود وصباغة الملابس.
وأشار ضياء مكاوى وكيل وزارة الثقافة السابق إلى انه سوف يقوم بإحياء مراكز تدريب صناعة التلى والسجاد التابعة لقصر ثقافة أحمد بهاء الدين لتدريب الشباب وإحياء هذه المهن التى توفر العملة الصعبة.
