من حق كل دولة أن تتخذ ما تراه من تدابير لحماية أمنها ومصالحها دون معقب، ودون أن تكون مضطرة لتقديم مبررات لما تقرره من إجراءات فى ضوء ما لديها من معلومات.
ويُعد حق الدولة فى حماية أمنها حقًا أساسيًا فى النظام القانونى الدولى، ويشمل اتخاذ التدابير لحماية الأمن القومى والوطنى بما فى ذلك الدفاع عن أراضيها والتصدى للتهديدات الخارجية والحفاظ على الأمن الداخلى.
لقد توافق المجتمع الدولى على هذه المبادئ عبر العديد من النصوص القانونية من بينها: المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التى تنص على حق الدول فى الدفاع عن نفسها، وإعلان الأمم المتحدة بشأن السيادة الذى يحمى سيادة الدول ويمنحها حق الدفاع عن نفسها ضد أى تدخل خارجى.
نزور دول العالم فنمتثل لقوانينها وضوابطها بدءًا من مرحلة التقدم للحصول على التأشيرة، مرورًا بدخول مطاراتها، وصولًا إلى التحرك على أراضيها حتى مغادرتها.
لم نسمع يومًا أن مواطنًا أمريكيًا أو أوروبيًا أو خليجيًا دعا إلى عدم احترام قواعد دخول حدود بلده مهما كان المبرر. ولم نر مواطنًا لديه الحد الأدنى من “الوطنية” يستخف بحق بلده فى حماية أرضها، غير أنه من أسف أن نجد بعض من يعيشون بيننا لا يخجلون من أن يتم استخدامهم أو يستخدمون هم أنفسهم بإرادتهم ووعيهم ليكونوا خناجر مسمومة فى جسد الوطن وحناجر للمزايدة عليه.
رأينا ذلك منذ اليوم الأول لأحداث “طوفان الأقصى”، حيث لم تتوقف مساع خبيثة لتوريط الوطن فى صراع إقليمى كبير لا علاقة له بمصالح وحقوق الشعب الفلسطينى. معركة اتخذ قرارها فى “طهران” ونفذته أياد محسوبة على الفلسطينيين، وجرى تغذيتها بدماء الشعب الفلسطينى التى تسيل كل يوم بلا وازع من ضمير على يد الآلة العسكرية الصهيونية المجرمة.
وتتكرر المحاولات بلا يأس مع ما يقال عن “قافلة الصمود” تحت مبرر دعم ونصرة أبناء الشعب الفلسطينى، دون التزام بألف القواعد المنظمة لدخول أراضى أى دولة وحقها فى الرفض أو القبول.
قافلة تقف ورائها دعوات مشبوهة وتحركها أهداف تثير الريبة فى توقيتها الذى يأتى بعد نحو عامين من الأحداث، وكأنهم تذكروا فجأة أن هناك شعب فلسطينى يتعرض لـ “محرقة يومية” على مدار أكثر من 620 يومًا. والعجيب أمر تلك العناصر التى وصلت مطار القاهرة ترفع شعارات وتتحدث بلسان لا تخطئه فطنة أى إنسان، وكان بالأولى على هؤلاء أن يوجهوا رحلتهم إلى مطار “بن جوريون” فى تل أبيب، فالمعركة تديرها إسرائيل وليس مصر، والأولى بالإحراج هو سلطات تل أبيب، والمؤكد أن هناك صوتهم سيصبح مسموعًا بشكل أكثر وربما ينضم إليهم حشد غير قليل من أسر وعائلات المحتجزين الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية مما سيمنح تحركهم فاعلية أكثر بالداخل الإسرائيلى.
كنت أتمنى أن تنطلق تلك الرحلات إلى “تل أبيب”.. معركتكم هناك وليست فى القاهرة.
أما الأكثر عجبًا وريبة هى تلك العناصر – وبعضها يكتب فى صحافتنا وعلى صفحات التواصل الاجتماعى – والتى لا تتورع عن دس السم فى العسل وطرح أفكارها بمداد من الغل وكأن استقرار الدولة التى يعيشون على أرضها لا يعنيهم فى شئ.
تذكروا أن مصر وليس غيرها هى التى دخلت فى 5 مواجهات عسكرية مع إسرائيل منذ حرب 1948 حتى عبور 1973.
تذكروا أن مصر وليس غيرها هى التى وقفت تمد يد العون الحقيقى للشعب الفلسطينى فى كل مواجهاته السابقة مع الاحتلال أعوام: 2008، و2012، و2014 و2021.
تذكروا أن مصر وليس غيرها أول من بادرت بعقد قمة القاهرة للسلام فى 24 أكتوبر 2023، وأن مصر وليس غيرها هى من تصدت لكل المخططات الخبيثة التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
مصر تمارس دورها المسئول بتوازن شديد بين حقها فى الحفاظ على مصالحها دون التورط فى صراعات إقليمية مكشوفة ومفضوحة، وبين دورها القومى فى الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى ومواجهة مؤامرات تصفية قضيته وما أكثرها.
مصر وحدها.. وليس غيرها، وليخرس المزايدون والمتاجرون.