هناك بعض الفئات تتمتع بمواهب وقدرات هائلة، وهناك أيضا منتجات عالية الجودة وتتفوق فى جودتها على منتجات أكثر شهرة، وهناك دول تحقق إنجازات ومعجزات غير عادية ودول أخرى أقل إنجازاً لكنها تتمتع بصدى أوسع، السبب فى ذلك هو القدرة على تسويق هذه الإنجازات أو الجودة، أو القدرات، فالتسويق بات أمراً حيوياً فى كافة المجالات، بل إن التسويق أو الدعاية، يدخل فى أمور أكثر أهمية تتعلق بقوة الدول وقدراتها، وامتلاكها للردع لذلك تخشاها الدول الأخري، ولذلك لعبت السينما أو هوليود وتحديداً دوراً مهماً فى التسويق والتعريف بالقوة والقدرة الأمريكية حتى وإن كانت أقرب إلى الخيال، ومغايرة للواقع.
التسويق أصبح «فناً» وعلماً يدرس فى الأكاديميات والجامعات، لذلك أصبح عنصراً حاسماً فى إيصال صورة الدول وامكاناتها وقدراتها، أو حتى تجارياً واقتصادياً، تستطيع أن ترصد مدى قوة وفعالية التسويق فى قوة وسمعة المنتج، فى ظل أن هناك منتجات أكثر جودة لا تحظى بمثل هذه السمعة.
التسويق والمتابعة، محوران أساسيان لتحقيق النجاح وصناعة الفارق، لذلك من المهم أن نروج ونسوق أنفسنا وقدراتنا وامكاناتنا وما لدينا من فرص حتى نستطيع أن نحول الأهداف والتطلعات إلى واقع ملموس على الأرض نحصد ثماره.
فى الفلك الإلكتروني، أو السوشيال ميديا تجد أفلاماً مصورة من جيوش بعض الدول، تستعرض قوتها وقدراتها وامكانياتها وتسعى من ذلك إلى إيصال رسالة للجميع والآخرين مفادها أن لدينا القوة والقدرة، رغم أن القوة الحقيقية أقل بكثير من الموجودة على أرض الواقع، وهناك شركات عالمية تنفق ميزانيات ضخمة على تسويق منتجاتها، وهناك دول تنفق بسخاء للترويج على امكانياتها وقدراتها للتسويق السياحي، وجذب شعوب العالم لزيارتها، وهناك دول أيضا لديها فرص للاستثمار وتوفر أسباب نجاحه ومقوماته، وتجتهد فى الترويج والتسويق لهذه الفرص وإبراز ما لديها من امكانيات، ومميزات، ومزايا.
حتى على مستوى العائلات هناك عائلات عظيمة الأصل لها جذور ضاربة فى التاريخ لكنها لا تستطيع أن تسوق نفسها فى حين أن هناك عائلات أقل حسباً ونسباً أكثر شهرة، وطبعاً بفضل قدرتها على التسويق والترويج، هذه المقدمة الطويلة التى أراها طويلة مهمة للغاية تؤكد على أهمية التسويق والترويج، لذلك أقترح الاهتمام بهذا الأمر بشكل غير مسبوق واستثنائى على مستوى الدولة المصرية، لأنها باتت تتمتع بفرص غير مسبوقة فى كل المجالات، ولديها طاقات وقدرات هائلة لا توجد فى دول أخرى أكثر تفوقاً فى هذه المجالات.. والسبب هو القدرة على التسويق وفاعليته والقدرة على التواصل الصحيح مع العالم، لدينا مثل نستخدمه ونردده فيما بيننا «أهم من الشغل، ضبط الشغل» وهنا أقول إن الجودة والقدرات والنجاح مهم، لكن المهم أيضا هو القدرة على تسويق وترويج هذه القدرات لذلك أرى الآتي:
أولاً: من الجيد والعظيم أن نحقق أعظم الإنجازات ونمتلك أعظم الفرص ولكن من المهم أيضا أن يصل للناس وكذلك أن نسوق هذه الفرص للعالم، ومن يملكون قدرات استثمارية ضخمة، والإعلام بمختلف أنواعه، ومن خلال أفكار وإبداعات غير نمطية أو غير تقليدية قادرة على تحقيق ذلك بالإضافة إلى الاستعانة بشركات كبرى عالمية، وكذلك استغلال المناسبات والمحافل والفعاليات الدولية للترويج عن هذه القدرات والامكانيات والفرص.
الحقيقة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سبق الجميع فى هذا الأمر، ففى زياراته الرسمية للخارج أو الدعوات التى يتلقاها لحضور المحافل والقمم والمناسبات الدولية الكبرى حريص على الحديث عن القدرات والفرص والإنجازات المصرية التى تحققت بل يحرص على لقاء رؤساء كبريات الشركات العالمية فى شتى المجالات لعرض الفرص المصرية الثمينة ومناخ الاستثمار فى مصر.
ثانياً: فى السياحة نحتاج إلى جهد أكبر وأكثر وبشكل منظم وعلمى وبوسائل وأفكار غير تقليدية لتسويق القدرات المصرية الاستثنائية للعالم وشعوبه سواء عن الطبيعة والمناخ المصرى وما تتمتع به مصر من وجود قدرات وامكانيات غير موجودة فى العالم، بكافة أنواع السياحة، ولدينا سياحة ثقافية وأثرية وحضارية وأجواء وشواطئ وترتكز على الأمن والاستقرار..والمهم أن تصل رسالتنا بشكل أوسع وربما التوسع فى فكرة إقامة معارض للحضارة والآثار المصرية، والمتحف الكبير وهو الحدث الثقافى الأبرز فى العالم يحتاج إلى حملات تسويق وترويج غير عادية وربما يمكن استغلال الافتتاح إعلامياً وترويجياً ودعوة كافة وسائل الإعلام العالمية لحضوره، أو منح البث المجانى أو غيرها من التسهيلات.
ثالثاً: لابد من تشكيل مجموعات متخصصة فى كافة مجالات الاستثمار وخبراء إعلام ودعاية وتسويق للترويج للفرص المصرية فى الخارج، لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وكذلك تنشيط دور البعثات الدبلوماسية فى العالم للقيام بدور مهم فى هذا الإطار.
فى كل الأحوال لابد أن ننتبه إلى أن التسويق بشكل علمى وخلاق وواسع هو من سيصنع الفارق لترويج وعرض امكانياتنا وقدراتنا التى باتت جديرة بالمنافسة العالمية.
لذلك أتوقف أمام ما أعلنه الدكتور محمد معيط وزير المالية بأننا ملتزمون بإجراء حوار مفتوح مع 2000 مؤسسة استثمارية حول العالم لترويج الفرص الاقتصادية والاستثمارية الواعدة فى مصر، لذلك فإن التسويق والتواصل مع العالم أمر غاية فى الأهمية لتسويق ما لدينا من قدرات وفرص فى مناخ مثالى تتوفر فيه كافة مقومات النجاح.