مازال الحديث مستمرًا حول الإستراتيجية الوطنية للتصنيع التى تنتهجها الدولة المصرية منذ ما يزيد على عقد من الزمان بحرص شديد من الرئيس عبد الفتاح السيسى وقد تجلى ذلك من خلال الرؤية الطموحة التى ينفذها الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء ووزير النقل والصناعة. وأتحدث اليوم عن جذب الاستثمارات الصناعية، حيث تهتم مصر بجذب هذه الاستثمارات الصناعية من خلال رؤية طموحة لمستقبل مزدهر.
تتجه أنظار العالم اليوم نحو مصر كوجهة استثمارية واعدة، لا سيما فى القطاع الصناعي، مدفوعةً برؤية حكومية طموحة تهدف إلى تحويل البلاد إلى مركز صناعى إقليمى وعالمي، لقد أدركت القيادة المصرية، إدراكًا عميقًا، أن الاستثمار الصناعى هو قاطرة التنمية الاقتصادية المستدامة، وأساس خلق فرص العمل، وزيادة الصادرات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لهذا السبب، تضاعفت جهود الحكومة المصرية فى السنوات الأخيرة لجذب المزيد من الاستثمارات الصناعية، من خلال تبنى مجموعة شاملة من الإجراءات والسياسات التى تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال وتوفير حوافز جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء. هذه السياسات لم تكن وليدة الصدفة، بل هى جزء من إستراتيجية متكاملة تتضمن إصلاحات تشريعية ومؤسسية، وتطويرًا للبنية التحتية، وتبسيطًا للإجراءات، مع التركيز على القطاعات الصناعية ذات القيمة المضافة العالية التى تتمتع فيها مصر بميزة تنافسية.
تأتى الإصلاحات التشريعية فى صدارة هذه الجهود، حيث عملت الحكومة المصرية على تحديث وتطوير القوانين واللوائح المنظمة للاستثمار، بهدف تبسيط الإجراءات وتقليل البيروقراطية وتوفير الحماية القانونية للمستثمرين. من أبرز هذه الإصلاحات، قانون الاستثمار الجديد الذى يوفر حوافز ضريبية وغير ضريبية متنوعة، ويمنح المستثمرين الأجانب نفس المعاملة التى يحصل عليها المستثمرون المحليون، ويضمن عدم التأميم أو المصادرة. كما تم إنشاء الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة لتكون الذراع الرئيسية للحكومة فى تيسير إجراءات الاستثمار وتقديم الدعم اللازم للمستثمرين من خلال نافذة واحدة. هذه النافذة الواحدة تُعد نقلة نوعية فى تسهيل عملية تأسيس الشركات والحصول على التراخيص، مما يقلل الوقت والجهد المبذولين من قبل المستثمرين، إلى جانب ذلك، تم إصدار العديد من القوانين واللوائح التى تستهدف قطاعات صناعية محددة، مثل قانون المناطق الاقتصادية الخاصة ذات الطبيعة الصناعية، والذى يوفر بيئة استثمارية فريدة من نوعها مع حوافز استثنائية للمصانع والشركات العاملة بها.
لا يمكن الحديث عن جذب الاستثمار الصناعى دون الإشارة إلى تطوير البنية التحتية، وهو محور أساسى فى خطة مصر لجذب الاستثمارات. لقد أنفقت الحكومة المصرية استثمارات ضخمة فى تحديث وتوسيع شبكة الطرق والموانئ والمطارات، لضمان سهولة حركة البضائع والمواد الخام وتقليل تكاليف النقل. على سبيل المثال، مشروع محور قناة السويس الجديد وما يتبعه من مناطق صناعية ولوجستية متكاملة، يُعد نموذجًا فريدًا يربط بين الشرق والغرب، ويفتح آفاقًا جديدة للاستثمار فى الصناعات التى تعتمد على سهولة الوصول إلى الأسواق العالمية. كما شهدت مصر طفرة فى تطوير البنية التحتية للطاقة، من خلال مشروعات كبرى لإنتاج الكهرباء من مصادر متجددة وغير متجددة، مما يضمن توفير الطاقة اللازمة للمصانع بأسعار تنافسية ومستقرة، وهو عامل حيوى فى قرار أى مستثمر صناعي. بالإضافة إلى ذلك، يتم التركيز على تطوير البنية التحتية الرقمية، مما يدعم التحول الرقمى فى القطاع الصناعى ويسهل عمليات التصنيع الذكي.
وعلاوة على ذلك، تُركز مصر على تنمية الكوادر البشرية المؤهلة، والتى تُعد ركيزة أساسية للقطاع الصناعى وتدرك الحكومة المصرية أن توفير عمالة ماهرة ومدربة يُعد عامل جذب رئيسى للمستثمرين، لذا يتم التعاون بين وزارة التربية والتعليم الفنى والقطاع الخاص لتطوير مناهج التعليم الفنى والمهنى لتلبية احتياجات سوق العمل، وتوفير برامج تدريبية متخصصة فى مختلف المجالات الصناعية، كما يتم تشجيع القطاع الخاص على إنشاء مراكز تدريب متخصصة، وتقديم حوافز للشركات التى تستثمر فى تدريب عمالها، هذه الجهود تُسهم فى تخريج أجيال من الشباب المصرى القادر على الاندماج فى الصناعات الحديثة، مما يوفر للمستثمرين الصناعيين قوة عاملة ذات جودة عالية وبتكاليف تنافسية.
تُقدم مصر أيضًا حوافز استثمارية متنوعة لجذب الاستثمار الصناعي، تتجاوز مجرد الإعفاءات الضريبية. تشمل هذه الحوافز تخصيص الأراضى الصناعية بأسعار تفضيلية أو بنظام حق الانتفاع، وتقديم تسهيلات ائتمانية وتمويلية للمشروعات الصناعية، وتوفير الدعم الفنى والاستشارى للمستثمرين الجدد، كما تُقدم الحكومة المصرية حوافز خاصة للمشروعات التى تستخدم مكونات محلية، أو تلك التى تهدف إلى زيادة الصادرات، أو التى تستثمر فى البحث والتطوير والابتكار. هناك أيضًا تركيز على تطوير المناطق الصناعية المتخصصة، مثل مناطق تصنيع وتصدير المنسوجات والملابس الجاهزة، ومناطق صناعة الأدوية، ومناطق صناعة التكنولوجيا. هذه المناطق تُوفر بيئة متكاملة للمصانع، بما فى ذلك البنية التحتية، والخدمات اللوجستية، والدعم الفني، مما يُسهل على المستثمرين بدء وتشغيل أعمالهم.
إن اهتمام مصر بجذب الاستثمارات الصناعية ليس مجرد شعار، بل هو استراتيجية وطنية متكاملة تُنفذ بخطى ثابتة ورؤية واضحة. فمن خلال الإصلاحات التشريعية، وتطوير البنية التحتية، وتنمية الكوادر البشرية، وتقديم الحوافز الاستثمارية، تُقدم مصر نموذجًا فريدًا لوجهة استثمارية جاذبة فى القطاع الصناعي.
وللحديث بقية